السيد كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيقات عن ارتكاب جرائم حرب وذلك في اقل من عام واحد وخرج إلى الاعلام العالمي منتشيا بذلك فيما الجرائم الصهيونية ترتكب في الأراضي الفلسطينية امام مرأى ومسمع العالم بدون حسيب أو رقيب منذ أكثر من 75 عاما و حيث جرائم الإبادة الجماعية الحالية في قطاع غزة لا زالت تحدث.
و سيد خان لم يجرؤ حتى الى فتح تحقيق في الموضوع وقام مؤخرا بزيارة إلى الأراضي المحتلة فيما كان تركيزه على عشرات الأسرى الاسرائيليين وإهماله آلاف الضحايا الفلسطينيين، من بينهم أطفال ونساء ومرضى وشيوخ، يدلّ على أنه يميّز عنصرياً ضد الفلسطينيين من جهة، ويعلن للعالم أن المحكمة التي يعمل فيها أُسّست للدفاع عن الإسرائيليين قبل غيرهم من البشر. ولا عجب في ذلك، فقبل تعيينه مدعياً عامّاً دولياً خلفاً لفاتو بن سودا، كان كريم خان المرشّح «المثالي» بالنسبة إلى «إسرائيل»، كما أعلنت صحيفة «ذا تايمز أوف إسرائيل» (13 شباط 2021). وها هو يثبت للإسرائيليين أنه مثاليٌّ في تضليل الحقائق، وفي الانحياز لطرف على حساب آخر كما تدلّ تصريحاته مقارنةً بتصريحاتٍ أدلى بها قبل أسابيع إثر زيارته لمعبر رفح، اعتبر فيها أن الحصار ومنع إدخال المساعدات الغذائية والأدوية والطواقم الطبية إلى غزّة «قد يشكّلان تجاوزاً للقانون الدولي الإنساني». وهو في رفح تحدّث عن احتمالات، أما في الكيبوتس الإسرائيلي، فقد سمح لنفسه بإصدار إدانات استباقاً لنتائج التحقيق.
ودعا خان أثناء زيارته لفلسطين المحتلة إلى «الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين الذين تمكّنت المقاومة من اختطافهم في 7 تشرين الأول الفائت». وأضاف: «لا يمكن أن يكون هناك أيّ مبرّر لاحتجاز أي رهائن، ولا سيما الانتهاك الصارخ للمبادئ الأساسية للإنسانية عبر أخذ الأطفال والاستمرار في احتجازهم». وشدّد على أنه «لا يمكن معاملة الرهائن كدروع بشرية أو أوراق مساومة».
ألا يستدعي توحيد المعايير دعوةَ كريم خان سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الإفراج الفوريّ عن آلاف المعتقَلين الفلسطينيين في سجون التعذيب الإسرائيلية؟ علماً أنّ من بين المعتقلين الفلسطينيين أطفالاً ونساء وأطباء ومسعفين اعتُقلوا تعسّفياً واحتُجزوا إدارياً لمدد غير محدّدة.
ادّعى خان أنه لم يستطع زيارة قطاع غزّة من دون أن يشرح الأسباب الحقيقية لذلك. ألا يستدعي ذلك، في الحد الأدنى، بيان استنكارٍ يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية؟ أم أنّ خان لم يُمنع من زيارة غزّة بل فضّل الاستعاضة عن الزيارة بإطلاق تصريحات استعراضية فارغةٍ أمام معبر رفح؟
زار خان المستوطنات الحدودية التي تعرّضت للهجوم في 7 تشرين الأول الفائت، واستمع إلى روايات عمّا حدث هناك من عدد من الإسرائيليين. وقال: «في كل من كيبوتس بئيري وكيبوتس كفار عزة، وكذلك في موقع مهرجان نوفا للموسيقى في رعيم، شهدت مشاهد من القسوة المتعمدة». ولكن، كيف يمكن أن يحسم المدّعي العام، عبر زيارة واحدة واستناداً إلى أقوال أشخاص التقاهم، أن «القسوة» كانت «متعمّدة»؟ ألا يشكّل ذلك خلاصةً تستبق التحقيق؟
وفي إشارة إلى لقائه مع عائلات الأسرى الإسرائيليين وذوي القتلى، قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية: «كانت رسالتي واضحةً: نحن على استعداد للعمل بالشراكة معهم كجزء من عملنا المستمرّ لمحاسبة المسؤولين». واللافت هنا أيضاً أن خان لم يوجّه أي رسالة «واضحة» إلى ذوي آلاف الضحايا الفلسطينيين والناجين من القصف الإسرائيلي على المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد. لا يريد خان أن يعمل مع الجميع من أجل «محاسبة المسؤولين»، ولا شكّ أن رسالته واضحة: هو على استعداد للعمل مع ذوي القتلى الإسرائيليين.
فيما علّق سيد خان أيضاً على العملية العسكرية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي في غزة بأنه «رغم أي انتهاكات مستمرّة للقانون الإنساني الدولي من قبل المقاومة والجماعات المسلّحة الأخرى في قطاع غزّة، فإن الطريقة التي تردّ بها إسرائيل على هذه الهجمات تخضع لمعايير قانونية واضحة تحكم النزاع المسلّح». وفي هذا دليل واضح على ازدواجية المعايير. إذ إن خان يسمح لنفسه بالحديث عن «انتهاكات مستمرّة للقانون الإنساني الدولي من قبل المقاومة »، بينما يمتنع عن مجرد الإشارة إلى أي انتهاكات للجيش الإسرائيلي الذي لم يكفّ عن استهداف المدنيين والمستشفيات والإسعافات والمدارس منذ ما يقارب من أربعة أشهر مستخدماً أحدث الأسلحة الحربية وأكثرها تخريباً ودماراً. بل يدّعي خان أن «هجمات إسرائيل تخضع لمعايير قانونية واضحة»، فهل هي فعلاً واضحة؟ ألم يطّلع خان على تقارير الأمم المتحدة عن عدد الأطفال الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي؟
أو حتى على نظر محكمة العدل الدولية في قضايا الإبادة الجماعية في غزة أو على حكم المحكمة .
و قد ذهب خان أبعد من ذلك بكثير في تبريراته المبطّنة للجرائم الإسرائيلية بحقّ المدنيّين في غزّة عندما أشار إلى أن «الصراع في المناطق المكتظّة بالسكان، حيث يُزعم أن المقاتلين يتواجدون بشكل غير قانوني وسط السكان المدنيين، هو صراع معقّد بطبيعته، ولكن يجب تطبيق القانون الإنساني الدولي، والجيش الإسرائيلي يعرف القانون الذي يجب تطبيقه». وأضاف: «قامت إسرائيل بتدريب محامين يقدّمون المشورة للقادة ونظاماً قوياً يهدف إلى ضمان الامتثال للقانون الإنساني الدولي». وبذلك، يرجّح المدعي العام الدولي، قبل إجراء أي تحقيق، أنّ «إسرائيل» لم تخرق القانون لأن لديها ضماناً يدفعها إلى الامتثال للقانون.
سيد خان اكد إن المحكمة تتمتّع بصلاحية التحقيق في هجوم 7 تشرين الأول، وأنه، بعد زيارته إلى فلسطين المحتلة التي استمرت ثلاثة أيام، كان لديه «سبب للاعتقاد» بأن أفعالاً تم تعريفها على أنها جرائم وفقاً للقانون الدولي قد ارتكبتها المقاومة في ذلك اليوم. وأضاف: «لم تكن هذه جرائم قتل عشوائية»، مشيراً إلى أن المقاومة «طاردت الناس»، وأن «الأطفال اختُطِفوا من أسرّتهم». وذكر أيضاً أنّ عدداً من النساء وكبار السن قُتلوا، «بما في ذلك ناجون من الهولوكوست».
أثناء إطلاق هذه التصريحات أمام الصحافة الإسرائيلية، تناسى كريم خان على ما يبدو وظيفته وتغاضى عن أبسط قواعد المحاكمات العادلة والأصول الأخلاقية في عمل النيابات العامة. فعلى أي أساس حسم سيد خان أنّ المقاومة «طاردت الناس»، وإلى ماذا يستند بقوله إن «الأطفال اختُطِفوا من أسرّتهم»؟ هل أجرى المحقّقون في مكتبه تحقيقاً قضائياً في هذه الروايات؟ لا لم يحدث ذلك.
بينما استند المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية إلى أقوال إسرائيليين فقط ولم يجرِ أو يشرف على أي تحقيقات جنائية، ومن دون جمع الأدلّة والتدقيق في إفادات الشهود.
اللافت أخيراً أن سيد خان الذي حسم إدانة المقاومة ، اعترف في المقابلة نفسها بأنه لم يجرِ تحقيقاً في أحداث 7 تشرين الأول الفائت. وقال إنّ مكتبه «سيكون سعيداً بالتعاون مع الكيان الاسرائيلي في التحقيق في أحداث 7 أكتوبر». وتابع في ما يشبه الانبطاح الكامل أمام الإسرائيليين أنه سيقوم بالتحقيق «حتى لو حافظت إسرائيل على سياستها الحالية المتمثّلة بعدم الاعتراف باختصاص المحكمة وعدم التعاون معها».