تعريب قيادة الجيش واحدة من اهم المناسبات الوطنية التي نحتفل بها في كل عام وهو خطوة مهمة في مرحلة مفصلية في تاريخ الاردن لا بد من اتخاذها ليكتمل الاستقلال الذي بدأ توطيد اركانه الملك المؤسس الشهيد عبدالله بن الحسين رحمه الله عام 1946 وتنبع اهمية هذه الخطوة من قوة الارادة والتصميم وشجاعة الموقف لملك شاب اراد لوطنه التخلص من القيود الاجنبية التي تكبله وهو يسعى للاستقلال والسيادة والحياة الفضلى لشعبه.ففي الاول من اذار من كل عام ومنذ عام 1956 نتذكر هذه المناسبة ونستذكر احداثها ونترّحم على صانعها الحسين طيب الله ثراه. فمنذ أن تسلم جلالة المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه سلطاته الدستورية وهو يولي جُلّ اهتمامه ورعايته للجيش من حيث التحديث والتسليح والتدريب والترفيع وهذا ما كان يمكن ان يكون كما يريده جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه ان لم يكن بقيادة عربية اردنية بحتة خالصة الانتماء وصادقة الولاء.
فالاستقلال الذي حدث في عام 1946 بقي منقوص السيادة الكاملة الي ان تحققت الخطوة الثانية والمكملة للخطوة الاولى على طريق الاستقلال ففي الأول من آذار عام 1956 تمت الأطاحة بالقيادة الاجنبية وطردها فوراً..حيث كان وجودها يحول دون تطوير الجيش وتحقيق هذا الهدف السامي والمنشود والذي به تكتمل الصورة واضحة في سيادتها واستقلالها.
فكان لا بد من وجود جيش قوي مستقل بأرادته لكي يحمي ما تحقق من استقلال ودونما أملاءات من الأجنبي وبقرار تارخي وجريئ من لدن جلالة الملك الراحل العظيم جاء هذا القرار وهو خطوة لابد من استحقاقها للتخلص من ما تبقى من القيادات الأجنبية في المؤسسة العسكرية والذي تم فيه إحالة الفريق (جون كلوب باشا) من منصبه كرئيس أركان للجيش العربي الأردني أنذاك هو وخمسة من كبار الضباط الانجليز ليخلوا مواقعهم لضباط أردنيين يحملون الهّم الوطني هاجسهم ان يكون الاردن مستقلاً بإرادته وبجيشه دونما تدخل من دولة الانتداب آلبريطاني. وباحتفالنا هذا العام وبالذكرى (الثامنة والستين) والتي تمر بظروف استثنائية وخطيرة تعيشها الامة في ظل الاعتداء الوحشي والهمجي الاسرائيلي على الضفة وتحديدا حربها على قطاع غزة ليؤكد الاردن وقوفه مع الاخوة الفلسطينيين وحقهم في تقرير مصيرهم من خلال حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ومطالبة المجتمع الدولي بوقف هذه الحرب الظالمة لا بل الابادة الجماعية المخالفة لكل الاعراف والقوانين الدولية كما طالب الاردن بادخال المساعدات الاغاثية والغذائية والطبية وفي هذا المجال كان الاردن سباقا في كسر الحصار الأليم بحق اهل قطاع غزة..حيث نفذ الجيش العربي الاردني عمليات انزال متعددة في سماء غزة وباأجواء محفوفة بالمخاطرة شارك جلالة الملك عبد الله وولي عهده الامير حسين حفظهما الله شخصياً با انزال المساعدات بالمظلات للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتزويد المستشفيات العسكرية الاردنية التي اقامها الاردن في قطاع غزة بالمستلزمات الطبية والعلاجات لتضميد الجراح لاهلنا هناك.
يأتي هذا الاحتفال مقرونا مع الاحتفال (بإذاعتنا الأردنية) التي نعتز بها ونفتخر والتي بثت نص قرار التعريب مباشرة للعالم كله بالوقت الذي كان فيه الوطن والمنطقة تمر بظروف استثنائية...ففي هذه المناسبة نقف وقفة وفاء وأجلال واحترام وتقدير لمعرّب قيادة الجيش الراحل العظيم الحسين بن طلال اغلى الرجال وأشرف النسب لا تخاذه هذه الخطوة الشجاعة والجريئة لاستكمال الاستقلال الذي ارسى قواعده جده الملك المؤسس الشهيد عبدالله بن الحسين رحمه الله، لتصبح هذه الخطوة مكملة للحرية والاستقلال والحياة الفضلى فشكلت هذه علامة بارزة في تاريخ الاردن بشكل خاص والتاريخ العربي بشكل عام وكانت رسالة للعالم كله ان الاردن اصبح بلا قيود وبلا منتدبين يسير بخطى ثابته مترسماً نهج الأولى لتحقيق ما يصبو اليه من سمو ورفعه وحرية بكل كفاءة واقتدار.. بقيادة ملك شاب والذي جاء في مستهل حكمه حيث شكلت مرحلة تاريخية هامة في توطيد أركان الدولة الأردنية.
فلقد كان يوم الجمعة الأول من آذار الخير من عام 1956 يوماً استثنائياً ومن الأيام الخوالد التي يعتز ويفتخر بها الأردن والاردنيون والعرب... وانه من حُسن الصدف هذا العام ان تأتي هذه المناسبة في يوم الجمعة من عام 1924 وما زلنا نتذكر كلمات الحسين القائد المدوية عبر أثير إذاعة عمان ملبية رغبته في استقلال الأردن الذي بدأه جده الملك المؤسس الشهيد عبدالله الأول ابن الحسين فكان لهذا القرار الهام وهذا النبأ الذي بث عبر إذاعة عمان وتحديداً في تمام الساعة السابعة من اليوم نفسه كان له رجّه مذهلة في النفوس انعشت الآمال والأماني لدى الأردنيين بشكل خاص ولدى العرب بشكل عام، بالتخلص من آخر محطات الاستعمار، حيث وجه جلالة القائد الحسين العظيم طيب الله ثراه آنذاك خطاباً قومياً وتاريخياً مسجلاً بصوته وموجهاً إلى أبناء شعبة جاء فيه: (أيها الضباط والجنود البواسل أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم ضباطاً وحرساً وجنوداً، وبعد فقد رأينا نفعاً لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا أن نجري بعضاً من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيِش فنفذناها متكلين على الله العلي القدير، ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها، وأنني آمل فيكم كما هو عهدي بكم، النظام والطاعة....). وبناء على ذلك وتنفيذا للرغبة الملكية السامية فقد أصدر مجلس الوزراء قراره رقم 198 الذي نص على النقاط التالية:
1. إنهاء خدمة الفريق جون كلوب(كلوب باشا) من منصب رئاسة الأركان في الجيش الأردني.
2. ترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة أمير لواء وتعيينه بمنصب رئيس أركان حرب الجيش العربي الأردني بدلا من الفريق كلوب.
3. إنهاء خدمة(مدير الاستخبارات العسكرية).
4. إنهاء خدمة الزعيم هاتون (مساعد كلوب للعمليات)
وتنفيذ هذا القرار اعتبار من 1/3/1956. بعد هذا القرار التاريخي الذي جاء في وقته وزمنه لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمه الله توالت ردود الفعل العربية والأجنبية وكان أهمها ردة الفعل للشعب الأردني حيث أكبر الشعب الأردني هذه الخطوة الشجاعة والتي كان الأردن بحاجة ماسة لها من أجل تتويج الاستقلال الحقيقي والمتمثل باءيلاء القيادة العسكرية لضباط أردنيين وبإرادة عربية ليتمكن الجيش الأردني من استقلال إرادته العسكرية وتطوير نفسه دون تدخلات من الأجنبي؛ فجاءت الردود على لسان الجماهير في الأردن التي انطلقت مُرحبة بالقرار مبتهجة ومُهللة وهي تنشد الأهازيج الشعبية والأغاني الوطنية هاتفة لحياة جلالة الملك صاحب الحزم والعزم والجرأة حيث اتجهت هذه الجموع المحتشدة إلى قصر بسمان العامر حيث استقبلهم جلالة المغفور له الحسين بن طلال رحمه الله وألقى فيهم كلمة من أهم ما جاء فيها : (أرحب بكم في بيتكم هذا أهنئكم بجيشكم العربي، لقد وفقنا الله له والان لقد شاء أن نطمئن وعلينا جميعا أيها الأخوان أن نعمل يداً واحدة في سبيل خدمة هذا البلد وكلنا فداء له).
وعلى الصعيدين الدولي والعربي فقد أكبر العالم بأسره هذه الخطوة الشجاعة للحسين وهتف المجد من أعماقه لها فكانت انتصارا للكرامة العربية التي تبعت التعريب وحققت نصر الكرامة في يوم الكرامة من شهر اذار عام 68 وأضافت سفراً مضيئاً في سجل الهاشميين الخالد.
وبعد جاءت ردود الفعل الدولية والعربية على القرار مرحبة ومؤيدة له
رد الفعل البريطاني : جاء على لسان « جيمس لنت» في كتابة « الحسين حياة وسيرة» حيث يقول : كانت ردة الفعل في بريطانيا على طرد كلوب اكثر من صاخبة.. فعندما سمع رئيس الوزراء البريطاني آنذاك بالخبر انفعل وأصيب بحالة من الهيستيرييا...).
رد الفعل الأمريكي : جاء ذلك عندما خاطب ايزنهاور جلالة الملك القائد الحسين المفدى فيقول له : انك (بطل) والبطولة ليست ملك شعبك بل هي للعالم.
رد الفعل الفرنسي : جاء على لسان كاتب مقال في جريدة لوموند الباريسية قال فيه : إن عزل الفريق كلوب من رئاسة أركان حرب الجيش الأردني يدل على انهيار آخر أعمدة الحكمة لبريطانيا في الشرق الأوسط، وان الأحداث التي تجري في عمان تجبر البريطانيين على أن يعترفوا في نهاية الأمر أن احد فصول التاريخ قد انتهى.
رد الفعل في الاتحاد السوفييتي سابقاً : جاء رد الفعل في جريدة نيويورك « هيد الد تربيون « كتبت تقول» إن عزل كلوب كان خدمة حاسمة لنفوذ البريطانيين الأخذ في الأقوال ولنفوذ الدول الغربية في الشرق الأوسط بشكل عام.
أما ردود الفعل في الصحافة العربية فقد كانت على النحو التالي:
جريدة الجمهورية المصرية : الصادرة في 4 آذار 1956 نشرت مقالاً بعنوان « سلمت يداك يا حسين « وهي عبارة قالها الرئيس المصري الراحل جمال عبد ا لناصر عندما سمع النبأ. جريدة الفيحاء السورية : الصادرة في 4 آذار 1956 : (... وقرارك بالأمس يا حسين هو أروع تعبير عن هذا الوعي العربي الأصيل الذي يرى العزة في شق طريق التحرر والكرامة في القضاء على السيطرة التي تأتي من الخارج).
جريدة الجهاد اللبنانية : نشرت في عددها الصادر في اليوم الرابع من آذار 1956 كلمة بعنوان « خطوة ملكية شريفة» قالت فيه : (لقد انزاح الكابوس عن معجزة ما أشبهها بمغامرات الملوك الشريفة حين يحققون لبلادهم وافر السيادة والسعادة وارتعدت لندن وارتجفت واشنطن..) وبعد فقد كانت خطوة جلالة الملك الراحل العظيم طيب الله ثراه بتعريب قيادة الجيش بارقة أمل على الطريق الصحيح للمسيرة الخّيرة والمعطاءة لهذا البلد الذي قاده الهاشميون كابراً عن كابر وتحقيقا للأماني القومية العربية وعلى رأسها الشعب الأردني الذي أراد ان ينعم بالاستقلال الحقيقي والحرية والحياة الفضلى وكان له ما أراد، وفي هذه المناسبة الخالدة لا بد لنا إلا ان نترّحم على معرّب الجيش وصانع مجد الأمة وباني نهضتها الحديثة الحسين رحمه الله وكما نترحم على شهداء الوطن الذين حموا الاستقلال ودافعوا عنه بالمهج والارواح ونخص بالذكر الشهيد البطل الرائد (راشد حسين الزيود) ورفاقه شهداء يوم التعريب قبل سنوات عندما قاتلوا مجموعة من الارهابيين هو ورفاقه في اربد وصادف استشهادهم بذكرى يوم التعريب من عام 2017.
كما ونتوجه إلى الله العلي القدير ان يوفق أبا الحسين جلالة الملك عبدالله الثاني القائد الأعلى للجيش العربي الأردني الذي يجول في الليل والنهار من آجل رفعة الاردن والنهوض به حفظه الله ورعاه الذي سار على نهج والده لما فيه خير البلاد والعباد انه سميع مجيب الدعاء.