تواجه الولايات المتحدة تحديا جديدا في تعاملها مع حركة طالبان ويتمثل ذلك بتطبيع عدد من الدول في العالم علاقاتها معها بما في ذلك الصين، حيث تسلم الرئيس الصيني شي جين بينغ أوراق اعتماد سفير أفغانستان المعين حديثًا من قبل طالبان إلى الصين.
وبينت مجلة فورين أفيرز الأمريكية في مقال لها، أنه ومنذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في 2021، والعالم يكافح للتعامل مع "نظام قمعي" يحكم أكثر من 40 مليون أفغاني في جزء حيوي إستراتيجي من أوراسيا.
ورأى كاتبا المقال الخبيران في معهد الولايات المتحدة للسلام اسفانديار مير وأندرو واتكين، أن النهج الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها في نهاية المطاف تجاه أفغانستان كان الالتزام بمواصلة التعامل مع الشعب الأفغاني من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، بينما تنأى بنفسها عن الاعتراف الدبلوماسي بنظام طالبان.
وتابع المقال "على مدى العامين الماضيين، سعت الولايات المتحدة إلى البناء على هذا النهج - ليس فقط من خلال حجب اعترافها بحركة طالبان، ولكن أيضًا من خلال الحفاظ على الإجماع الدولي على عدم الاعتراف".
ورأى كاتبا المقال أن هذا النهج هو موقف عقابي بطبيعته، ويهدف إلى الإشارة إلى رفض شرعية طالبان.
طالبان تفرض المزيد من القيود
وأردف المقال "لقد أوضحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها تهدف إلى استخدام التهديد بالعزلة الدبلوماسية، لحث طالبان على تحسين سلوكها في 3 مجالات أساسية هي احترام حقوق الإنسان وخصوصا حقوق المرأة، وقمع النشاط الإرهابي على الأراضي الأفغانية، وتبني هيكل حكم أكثر شمولًا يعكس المجتمعات العرقية والدينية والقبلية المتنوعة في البلاد."
في المقابل رأى كاتبا المقال، أن حركة طالبان بدت غير متأثرة بهذه الضغوط وخصوصا عندما يتعلق الأمر بما تعتبره شؤونًا داخلية، مثل مسألة حصول الفتيات على التعليم العالي وحق المرأة في العمل.
وبدلاً من ذلك، فقد صور زعماء طالبان الضغوط الدولية باعتبارها انتهاكًا لسيادة أفغانستان، وصاغوا دعوات الزعماء الغربيين للتمسك بالأعراف والمواثيق الدولية باعتبارها أحدث حلقة في تاريخ طويل من التدخل في أفغانستان .
وشدد المقال على أنه ومع تزايد رسوخ حركة طالبان في السلطة، فقد ضاعفت موقفها المقاوم تجاه هذه الضغوط، ونتيجة لذلك و بدلا من تخفيف سياساتها مضت قدما في فرض المزيد من القيود على النساء والأعراف الاجتماعية.
وأضاف المقال أن النهج الأمريكي تجاه طالبان يعاني وخصوصا في ظل وجود عدد متزايد من الدول حول العالم مثل الصين، والتي لا تتعامل مع طالبان باعتبارها نظامًا منبوذًا.
وقد بذلت حركة طالبان جهوداً دبلوماسية نشطة لخطب ود الدول المجاورة، وعلى الرغم من التوترات الخطيرة مع باكستان بسبب دعمها للمتمردين المناهضين لها، فإن العديد من القوى في المنطقة كانت على استعداد لاستيعاب هذه الجهود.
وتابع المقال " في يناير/كانون الثاني الماضي شاركت العديد من هذه القوى، بما في ذلك الصين وإيران وروسيا، في مؤتمر متعدد الأطراف استضافته طالبان.
ورأى كاتبا المقال أنه ورغم أن احتفال شي في يناير/كانون الثاني بتعيين سفير لطالبان قد فتح آفاقاً جديدة إلا أنه يتوافق أيضاً مع تحركات دول أخرى مثل أذربيجان وكازاخستان، بل وحتى الهند نحو قدر أكبر من التطبيع مع كابول.
ويتابع كاتبا المقال بالتأكيد على أن الولايات المتحدة حثت على اتباع نهج دبلوماسي صارم وموحد في التعامل مع طالبان، سعياً إلى ما هو أكثر من مجرد اتخاذ إجراءات عقابية فقد أعرب كبار المسؤولين الأمريكيين عن توقعاتهم بتغيير سلوك طالبان .
وأشار المقال إلى أن إدارة بايدن سعت خلال الأسابيع الأولى من عام 2024، إلى الحفاظ على الإجماع الدولي تجاه طالبان.
واعتبر المقال أن تلقي طالبان هذه المعاملة من الصين هو أكبر إنجاز لطالبان في السياسة الخارجية حتى الآن، وتتويج لجهود النظام الأفغاني في التعامل بشكل أكثر كثافة مع القوى المجاورة.
ويذكر أن الحكومة التي تقودها طالبان في كابول تستضيف الآن 18 سفارة أجنبية، ويمتلك النظام عددًا مماثلاً تقريبًا من السفارات الأفغانية في الخارج.
كما قام قادة طالبان أيضًا بتوسيع العلاقات الاقتصادية بشكل مطرد مع مختلف البلدان في المنطقة، بما في ذلك الدول المجاورة البعيدة مثل أذربيجان، وحتى الهند، القوة الإقليمية التي كانت الأكثر حذرًا من استيلاء طالبان على السلطة، بحسب المقال.
التنافس الإستراتيجي مع الولايات المتحدة
وتقوم الهند حاليا بإحياء مشاريع تنموية في أفغانستان، مثل بناء السد المخطط له بقيمة 265 مليون دولار، بالتنسيق مع حركة طالبان.
ويقول كاتبا المقال، إنه وطالما أن الولايات المتحدة تروج لإستراتيجية عدم الاعتراف بطالبان فيمكن لموسكو وبكين جني العديد من فوائد الاعتراف بطالبان، دون الاضطرار إلى مخالفة الإجماع الدولي رسميًا.
وقد بدأت المنطقة بقيادة الصين، في التطبيع تدريجياً مع كابول وتعتزم الاستمرار في القيام بذلك.
وشدد المقال على أنه وفي ظل حصول طالبان على مصادر الدعم الجديدة، أصبح لديها أسباب أقل للخضوع للمطالب الغربية بشأن حقوق الإنسان أو الشمولية في حكومتها.
وختم المقال بالقول، إن فشل نهج واشنطن الحالي مع طالبان يسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي باتت تواجه القوة الدبلوماسية الأمريكية في جميع أنحاء العالم.