ويعود ثانية عيد الأم وسماء فلسطين يعج بآهات الأمهات من فقدان الزوج أو الإبن استشهادا أو اعتقالا إلا من صور الاحباب الغائبين أصحاب الحق والقضية على جدران البيوت.
يعود العيد وقد ارتقت الأم الفلسطينية شهيدة برصاصة في مواجهة مع المحتل أو تحت التعذيب في غياهب سجونه أو ركام بيتها الذي هدمته آلة الحرب الاسرائيلية.
في غزة ارتقت آلاف الأمهات شهيدات تحت أنقاض بيوتهن التي حولتها صواريخ الحقد والكراهية الاسرائيلية الى ركام، وأُخريات فقدن الزوج والأبناء والأخ كما تقول اردنيات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) بمناسبة عيد الأم الذي يصادف غدا.
المديرة التنفيذية لتمكين المساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش قالت: يوم الأم في غزة يوم تنكأ فيه الأمهات آلامهن وذكرياتهن الموجعة. هناك لا بيت بلا مأساة توجع القلب في حرب ارادها الاحتلال الاسرائيلي أن تكون حربا ً قذرة وغير أخلاقية.
فمنذ اعلان الحرب على قطاع غزة وحتى اليوم استشهدت نحو 9 آلاف امرأة، وأُصيبت نحو 25 ألفا، أما من حالفهن الحظ فبلا مأوى أو طعام أو شراب، ويرضعن أطفالهن دموعا، وبدلا من أن تكون الامومة مناسبة للاحتفال أصبحت في غزة، خروج طفل آخر إلى الحياة دون رعاية صحية أو لوالدته، تقول كلش.
ففي غزة، توثق البيانات إعدامات ميدانية لنساء حوامل كُنَّ يرفعن الرايات البيضاء وهنّ في طريقهنّ إلى مستشفى العودة، وفي غزة تواجه الأمهات تحديات تفوق الخيال في الحصول على الرعاية الطبية الكافية والتغذية والحماية قبل وأثناء وبعد الولادة، فهنالك 60 ألف حامل يعانين سوء التغذية والجفاف وانعدام الرعاية الصحية المناسبة بحسب أرقام رسمية.
مساعد رئيس مجلس النواب النائب ميادة شريم تؤكد أن الأم الفلسطينية انموذج واضح ومثال حيّ على التضحية تلزم الجميع أن يقف احترامًا واجلالًا لها، وهي تعبر عن أصدق معاني الصبر والتحمل والتكلف في سبيل الحياة ولا شيء سواها.
وتضيف، الام الفلسطينية هي تلك البطلة التي تكتب اسمها على جسد طفلها الشهيد وتبحث عن أبنائها المفقودين تحت الأنقاض. أمهات غزة غيرن معنى الأمومة وكرسن المفاهيم الأصدق لهذه المرتبة النبيلة.
من قبل رأينا (أم أحمد) في مسلسل التغريبة الفلسطينية، نموذجا للأم. كانت أم القائد المجاهد أحمد الملقب بـ "أبو صالح" تتحمل ما تتحمله من مشاعر الخوف ومعاناة الانتظار إلى أن ترى ابنها البطل وقد عاد سالما، ثم هي أيضا أم حسن الذي تغرب عنها بالتهجير قاصدا الهروب من واقع أليم عانى منه معظم أبناء جيله، فكانت "أم أحمد" تعيش مرارة الفقد بعد تغرب ابنها عنها وعن وطنه. تلك كانت صورة لواقع أليم نراه اليوم في أبشع صور الظلم وانتهاك الإنسانية في كل ساعة ساعات اليوم، تقول شريم.
وأكدت شريم أن هذه الشخصية لم تكن بعيدة عن الواقع، إنما هي مستوحاة من صلب المعاناة التي عايشتها الأم الفلسطينية وهي ترى أمام عينيها احتضار طموحات أبنائها، وتعيش معهم اوجاع هذا الاحتضار لحظة بلحظة، ولكنها تبقى صامدة ترسخ بهم حب الوطن والدعوة إلى التحرر ونبذ الاحتلال، لتُشهِد العالم كله على أن الأم الفلسطينية هي من تشحذ الهمم وتصنع الرجولة بأسمى معانيها، وهو ما نرى نتائجه اليوم في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، وعلى وجه الخصوص في غزة.
الامين العام المساعد لشؤون تمكين المرأه والأسرة في حزب الميثاق الوطني سناء مهيار تقول ان خصوصية هذا اليوم: عيد الأم وانطلاقة الربيع والكرامة ليست صدفة، إنما لها دلالة سامية هي أن الأم صانعة رجال الكرامة وهي الحياة التي تعطي البهجة والعطاء في بلادنا الجميلة لكنه يعود هذا العام وفي القلب غصة وأسى لما يحدث في فلسطين وغزة، حاملا معه آهات الأمهات الفلسطينيات والغزيات ورجفات فلذات الأكباد في ظل حرب غاشمة وجرائم إبادة جماعية.
في فلسطين لا تزال معاناة الأمهات من فقدان الزوج والأبناء سواء بالاستشهاد أو الأسر، وصور الأحياء الغائبين أصحاب الحق والقضية تملأ البيوت، ويصبرن رغم محاولات الاحتلال كسر صمودهن لكن في مشهد الأم الغزية هناك جانب آخر يبعث على الفخر والانبهار ونحن نرى الأمهات هناك يسطرن كل يوم أصعب قصص الصمود ومعاني الحياة، ففي قمة الألم يجدن الأمل، وتستمد القوة من نبض قلوبهن.
الأم في غزة ليست ككل الأمهات، فهي تعيش آلاماً وأوجاعاً لا تحتمل ولا يمكن لعقل أن يتخيلها، تختبر أبشع أنواع القهر والفقدان، فأمام عينيها يستشهد أبناؤها وتلملم أشلاءهم وتبتر أطرافهم، ومع ذلك تقاوم الموت بالولادة، وتضحي بروحها لتبقى أرضها ويسلم أبناؤها.، تقول مهيار.
فقد رأينا أماً غزية تحمي أبناءها أثناء نزوحهم من الشمال إلى الجنوب مشياً على الأقدام، وتحمل معها بعضاً من الاحتياجات وتحمل الأوجاع والأعباء. وفي مشهد آخر للقوة والإيمان، شاهدنا أماً غزية رغم الدماء التي تغطي وجهها ويديها، تكابر ناسية جراحها وآلامها وتحتضن طفلتها الخائفة وتهدئ من روعها وتطمئنها خلال فترة النزوح المرعبة.
من جانبها تقول الخبيرة في مجال حقوق الانسان الدكتورة نهلا المومني، إن القانون الدولي لحقوق الإنسان كفل حقوق المرأة بصورة عامة وأولى اهتماما خاصا بالأمهات بوصفها أحد أركان الاسرة حيث أن الحق في تكوين الاسرة يعد أحد حقوق الانسان التي يتوجب حمايتها وتعزيز أدوارها وفق الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة وبصورة خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
واضافت: وفي الوقت ذاته اكد القانون الدولي الإنساني وتحديدا اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الملحق بها على توفير حماية خاصة للنساء والامهات والحوامل، لافتة إلى ان واقع الحال يشير الى ان عمليات الإبادة الجماعية التي يشهدها قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني حيث تعتبر النساء هدفا محوريا لها ويظهر ذلك جليا من خلال عدة مؤشرات ابرزها قطع المساعدات الطبية وعدم تسهيل وصولها بما في ذلك الخاصة الحوامل واطفالهن.
وأشارت المومني الى مهاجمة المستشفيات واقسام الولادة واعتقال النساء في قطاع غزة وتعريضهن للتعذيب والاساءات بمختلف اشكالها، إضافة الى عدم مراعاة الاحتياجات الخاصة بالنساء واطفالهن، مؤكدة أن الاحتلال لم يترك وسيلة لقتل المرأة سواء بالسلاح او التجويع أو التهجير الا مارسها وهو ما يعد جرائم حرب وفقا لنظام المحكمة الجنائية الدولية واتفاقية منع الإبادة الجماعية واتفاقيات جنيف الأربع.