عندما كنا صغارا ، وفي ايام الصيف الجميل وبعد المساء في أحياء مدينة المفرق الخالدة كنا نسمع صوت شبيبة يصدح في أحدى الاحياء القريبة ونتجمع مجموعة من الاطفال ، ونهب فورا لمتابعة مصدر هذا الصوت . وعندما نصل الى مكانه واذا به صاحب الشبيبة الرائعة باللحن الجميل أنه عبد الله شاهر قطيشات السلطي الأصل المفرقي المولد والعيش الاستقرار، ابن حارتنا في الحي الجنوبي ، شاب متقد احساس وحيوية وفنان بارع بالعزف الجميل على الشبيبة
عبد الله الشاهر هكذا كان أصدقائه وزملائه ينادونه في الإعراس والأفراح ، وكان عبد الله ركنا أساسيا في الفرح والدبكة الشعبية .. كان الرفاق يغنوا له تشجيعا وتحميسا له ( عبد الله الشاهر شبب ع سنك خلي الصبايا تتعلم منك ) وكان هذا العازف الماهر يغني ويغزف أغاني جميلة ما زلت احفظها وارددها دائما ( مرعية يا البنت مرعية ومرعية والا بلا راعي ..) وكذلك (والشمش غابت يا ابن شعلان وأريد أدور معازيبي ..!!) كم كنت رائعا يا عبد الله الشاهر كنت مصدر الفرح النقي والبسمة الصادقة من القلب للقلب ..
عبد الله الشاهر كان يأتي للعرس على دراجته الهوائية المميزة والمعروفة بالمفرق . لم يركب المرسيدس ولا الشبح ... وليس معه بودي جارد !! يأتي للعرس دون دعوة أحيانا حاملا شبيبته ورفيقته الدائمة يقتحم الفرح اقتحاما وكأنه يؤدي واجبا اجتماعيا على طريقته الخاصة لا يأخذ مالا على ما يقدمة .
بل كان يقول هذا واجب علينا أحنا أهل وجيران .. والعريس الذي لا يدعوه على فرحه يعتب عليه عبد الله ويذهب ويعاتب صاحب العرش ليش ما عزمتني يا رجل ؟؟ .
أنه العطاء بحب وفرح وعن طيب خاطر ، وفي أواخر الثمانين من القرن الماضي شكلت فرقة المفرق للفنون الشعبية ( دبكة وتراث ) فكان عبد الله الشاهر وشبيبته ورفيقته دربه احدى اعضاء الفرقة الرئيسين وشاركت الفرقة بمهرجانات محلية وخارجية وتحديدا في مهرجان جرش المشهور والفحيص والازرق ، وقدم عبد الله الشاهر ورفاقه أجمل العروض والفقرات التراثية الجميلة وكنت متابعا جيدا لهذه الفرفة ،
وفي هذه الأيام . وبعد الغزو التقني للأعراس . وبعد ما كان العرس يجري في بيت الشعر ويقدم لنا في الإعراس في السهرة الشاي القهوة العربية السادة ، والحلو الرائع ويوم الجمعة غداء الماسف الشهية .. أصبح اليوم يقدم لنا جاتوا وبيبسي عا الماشي واحيانا لا نشاهد لا عريس ولا عروس ، وذلك بسبب الصالات المغلقة وأجهزة ديجتال وموسيقى صاخبة واغاني غير مفهومة ، لا طعم ولا لون ولا مضمون .. مثل ( لركب الحتنور واتحنتر ) و( بحبك يا حمار ) أصبحت الإعراس بلا روح ولا قيمة وغابت عنها الفرحة الصادقة الصادرة من القلب وغاب عن هذه الإعراس عبد الله الشاهر .. وغابت الاغاني القديمة المعبرة ( ضمة ورد من جنينتها ) و ( وريفية وحاملة الجرة وتتمايل ع الجنبين ) .
لم يعد عبد الله الشاهر حاضرا بشبيبته ومعزوفاته الرائعة والمعبرة ، اصبح خارج النص في هذا العصر الفارغ من المضمون عصر القشرة والموضة الكرتونية .
قبل عامين كنت اسكن قريبا منه في الحي الجنوبي وكان في وقت المساء يحمل شبيبته القديمة ويعزف امام بيته انغامه لوحدة كم انت وفيا يا عبد الله الشاهر . تغير كل شئ من حولك ولكنك لم تتغير انت ولم تتخلى عن رفيقة دربك الشبيبة، ولم تلحق بالقشرة الزائفة واللحن الردئ المبتذل . كن كما انت أخي ابو حسام .. فالذي ما له أول وأصل لن ولم يكن له ثاني ولا مستقبل . حفظك الله يا عبد الله الشاهر وستبقى الصبايا وسيبقى الشباب والاطفال .. يتعلموا من فنك الجميل والأصيل لأنك ذاكرة المفرق الفنية الجميلة ..