" الحصاد القطاني ".. بقلم
الدكتور أحمد
شريف الزعبي
نيروز-
" الحصاد القطاني " والقطاني تعني العدس والكرسنة والفول، وهي تزرع
بموسم الشتاء وتحصد في فصل الربيع، وتحديدًا في العاشر منه وما بعد ذلك، ويسمى حصاده
قلاعة لأنه يقلع مع جذوره.
أعلن أحد المزارعين الكبار أنه سيبدأ بقلاعة عدسه بعد غد، وتوافد العمال عليه
ليحجزوا عنده أدوارًا، (خاصةً أن الأجرة دينار في اليوم الواحد)، وكانت قيمة الدينار
الشرائية عالية وكنت من بينهم، كنت يومها في الثالث الإدعدادي (التاسع حاليًا) نظر
إلي وابتسم وقال :
يداك
صغيرتان، وباين عليك عمرك مانت مشتغل بقلاعة العدس.
قلت له : سأعمل بكل طاقتي وسأعجبك.
أيقظتني والدتي مع الأذان الأول، نهضت وغسلت
وجهي وارتديت ملابس العمل، وكنت من أوائل العمال أمام بيت أبو سالم، وانطلق بنا الجرار
إلى موقع العمل، ونزلنا بهمةٍ ونشاط وأمسك كل واحدٍ سربين ( كانت زراعة القطاني تزرع
سروبًا متوازية)، ومع شروق الشمس واشتداد حرارتها بدأ نشاطي يضعف خاصةً وجود الشوك
الكثير مما جعل الدم يغطي أجزاء من يديّ، سمعت إحدى النساء ء تقول لزوجها :
يويلي عليه باين عليه ابن نعمة، أنداري أمه
كيف سمحتله ييجي للقلاعة؟
قال لها زوجها : ماحدا بمون على جيل هالوقت.
قالت :
إللي مش كاره يناره.
أعلن صاحب الحقل عن وقت الفطور، واجتمع الرجال لوحدهم بعيدين عن النساء، وبعد
الإفطار قلت لأبي سالم :
أما أنا فأستأذنك.
ابتسم الرجل وقال : كنت أتوقع ذلك منك يابن
صديقي، وهذه أجرة يومك كاملة.
رفضت وقلت : لا لن آخذ إلا حقي.
حاول الحصادون إقناعي، إلا أنني أصريت على موقفي.
ورجعت إلى البيت وبقيت ثلاثة أيام في الفراش من التعب، وسط تقريع أبي وعاطفة
أمي وشماتة أختي. وأيقنت عندها أن قرش العامل يكاد أن يكون هو القرش الحلال من بين
القروش التي يجمعها الناس.