في أعماق التاريخ، يظهر رجال يتركون بصمات خالدة على مسار الحضارات، ومن بين هؤلاء الرجال يتألق اسم الياباني تاكيو أوساهيرا. كان أوساهيرا دائم التساؤل عن سر تقدم الغرب وسبب تأخر الشرق، إلى أن أدرك أن المحرك والميكانيكا هما مفتاح هذه الفجوة. قال أوساهيرا: "إذا عرفت كيف تصنع المحرك، وضعت يدك على سر الصناعة كلها."
قرر أوساهيرا الخروج من اليابان والسفر إلى ألمانيا ضمن بعثة دراسية لتعلم علم الميكانيكا والمحركات. كان يطمح لنقل علوم ألمانيا إلى بلده ليكون جزءًا من نهضة الأمة اليابانية. لكن، كانت الصدمة الأولى له حين وجد أن الغرب يدرس الأجانب نظريات على ورق، وليس التطبيقات العملية التي كان يسعى إليها. يقول: "ذهبت إلى ألمانيا فإذا بهم يدرسونني الكتب والنظريات، ولكني أريد أن أمتلك القدرة على تصنيع المحركات."
كان أوساهيرا في حالة من الحيرة أمام المحركات، وكأنه طفل أمام لعبة معقدة. لكنه لم يستسلم. عندما سمع عن معرض للمحركات الإيطالية، اشترى محركًا مستعملًا بكل ما يملك من المال وبدأ في تفكيكه في منزله. قرر أن يدرس كل قطعة ويعيد تركيبها بنفسه. بعد أيام من الجهد المتواصل، نجح في إعادة تشغيل المحرك، وكان فرحه لا يوصف.
أخبر رئيس بعثته بما فعله، فأعطاه محركًا عاطلًا وأمره بإصلاحه. وبعد أن نجح في ذلك، طلب منه رئيسه أن يصنع محركًا كاملاً من الصفر. بدأ أوساهيرا يتعلم صناعة القطع من خلال العمل في مصانع صهر الحديد والنحاس والألمنيوم. تحوّل من طالب علم إلى عامل في المصانع، يعمل لساعات طويلة، ويمارس قواعد الصناعة في الليل.
استمرت هذه الرحلة الشاقة ثماني سنوات، حيث كان يعمل ما بين عشر وخمس عشرة ساعة يوميًا، حتى سمع به إمبراطور اليابان "ميكادو" وأراد مقابلته. لكن أوساهيرا رأى أنه لا يستحق هذه المقابلة إلا بعد أن ينجح في إنشاء مصنع كامل لصناعة المحركات. وبعد تسع سنوات من العمل الدؤوب، عاد إلى اليابان ومعه عشرة محركات يابانية مئة بالمئة.
حينما قدم المحركات إلى الإمبراطور، واشتغلت بنجاح، ابتسم الإمبراطور وقال: "هذه أعذب معزوفة سمعتها في حياتي، صوت المحركات اليابانية الخالصة." وبهذا النجاح، تمكن أوساهيرا من نقل سر قوة الغرب إلى اليابان، وأصبحت اليابان قادرة على مواكبة القوة الصناعية الأوروبية.
تُظهر قصة تاكيو أوساهيرا كيف أن النجاح يحتاج إلى عزيمة قوية وإصرار لا يتزعزع. إن تحقيق النهضة يتطلب من الأفراد التضحية والعمل الشاق من أجل مستقبل أفضل، وهذا ما فعله أوساهيرا ليضع اليابان على طريق القوة والتقدم.