أثار الهجوم السيبراني الإسرائيلي الذي أدى إلى إصابة أكثر من 4 آلاف شخص، ومقتل نحو 11 آخرين الكثير من المخاوف بقدر ما أثار التساؤلات، إذ جرت العملية بسهولة عن بعد، ما يفتح بابًا للجدل في ظل فضاء إلكتروني نحيا فيه، ونتنفس هواءه.
وبحسب المعلومات المتوفرة، فقد استطاعت إسرائيل اختراق النطاق الترددي (موجة الاتصال) الذي يستخدمه عناصر حزب الله، وبعثت عددًا هائلاً من الرسائل على أجهزة البيجر التي يحملونها، أدت إلى تعطل وانفجار بطاريات الليثيوم، ما أدى إلى سقوط ما يناهز 4 آلاف شخص ما بين قتيل وجريح.
العملية الإسرائيلية التي جرت بسهولة دون تدخل عسكري، أو قطرة دم إسرائيلية واحدة، أو كلفة مادية لعتاد وأسلحة، دقت ناقوس الخطر فيما يتعلق بالاختراقات والهجمات السيبرانية التي هي إحدى أهم عناصر ما يطلق عليها حروب الجيل الخامس أو الحروب الإلكترونية، وأكدت في الوقت نفسه أهمية الأمن السيبراني، وحماية شبكات الاتصال والراديو من الاختراقات التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
حروب الجيل الخامس
شهدت الحروب واستراتيجياتها تحولات كثيرة على مر التاريخ إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن، وأحدث أجيالها هي الحروب الإلكترونية أو حروب الجيل الخامس، بفضل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وما فرضته على العالم من واقع جديد، فانتقلت الحروب من الأرض إلى الفضاء، ومن الواقع إلى الواقع الافتراضي.
وتمكن هذه النوعية من الحروب الخصوم من أن يديروا الصراع مع خصومهم عن بعد، وبأدوات غير مكلفة، ولكنها شديدة الخطورة، إذ يمكن أن يسقط من الخصم آلاف القتلى والجرحى بكل سهولة، وهو ما حدث تقريبًا في حادثة لبنان.
ويمكن أن تستهدف الحروب الإلكترونية، المنشآت الحيوية للدول، والبنية التحتية عالية الأهمية مثل: الكهرباء، والمياه، والاتصالات، أو تعطيل أنظمة السدود، أو المصانع، وكذلك الهجمات التي تستهدف القطاعات الاقتصادية والمالية مثل البنوك أو البورصة. وإن ما يميز هذا النوع من الحروب هو توجيهها أحيانًا نحو الجوانب المجتمعية والسياسية، بهدف زعزعة استقرار المجتمع من الداخل. وقد تمتد هذه النوعية من الحروب لتشمل نشر الشائعات والبلبلة، وتعطيل شبكات الإنترنت؛ فيصبح الفضاء متسعًا وخصبًا لنشر الأكاذيب والشائعات التي من شأنها هدم استقرار المجتمعات، أو تشكيكها في حكوماتها وقادتها على سبيل المثال.
ماذا يعني الأمن السيبراني؟
قبل التوغل في الحديث عن الأمن السيبراني ينبغي أولاً تعريفه، ويقصد به عملية حماية الأنظمة والبيانات والاتصالات والشبكات الموجودة والمتصلة بالإنترنت ضد الهجمات الرقمية. فهذه الهجمات، التي يشار إليها عادة باسم "الهجمات السيبرانية"، ما هي إلا محاولة اختراق، أو تعديل، أو تعطيل، أو دخول، أو استخدام غير مشروع؛ وبالتالي، يمكن أن تتراوح الهجمات السيبرانية من تثبيت رموز برمجية ضارة على جهاز حاسوب شخصي وصولاً إلى محاولة تدمير البنية التحتية لدول بأكملها.
ويُعرّف المعهد الوطني للمعايير والتقنية الأمن السيبراني بأنه، هو "القدرة على الحماية أو الدفاع عند استخدام الفضاء السيبراني من الهجمات السيبرانية". فيما تعرفه وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، بأنه جميع الإجراءات التنظيمية اللازمة لضمان حماية المعلومات بجميع أشكالها المادية والإلكترونية من مختلف الجرائم، والهجمات، والتجسس، والتخريب، والحوادث.
وفرضت تلك الهجمات السيبرانية على العالم الاستعداد لهذه النوعية من الحروب، فتسابقت الدول على وضع الوسائل والاستراتيجيات لحماية فضائها السيبراني، وأمن المعلومات، والاتصالات، والتصدي لجرائم التجسس، والاختراق، والتخريب، والبحث عن نقاط الضعف في أنظمتها، ومعالجتها، وسد ثغراتها، ولا سيما مع اتجاه معظم دول العالم إلى رقمنة مفاصلها.