عاينت ندوة حوارية بعنوان "المركزية الثقافية الغربية" عقدت مساء أمس السبت في رابطة الكتاب الأردنيين، أسباب وسياقات هذه المركزية وأبعادها على مختلف القطاعات في مختلف أرجاء العالم.
وقال الباحث الدكتور زهير توفيق في قراءة قدمها حول الموضوع، إن أوروبا تماهت مع الغرب وتوحدت قبل العصور الحديثة بالدين، وأصبحت منذ القرن الثامن عشر، وبعد سلسلة من الثورات الفكرية والسياسية والاقتصادية، والنجاحات التي حققتها كيانا مستقلاً مكتف بذاته.
وأضاف أن أوروبا أنشأت سردية توحيدية للغرب المتعدد، لتسويغ الخصوصية والفرادة وتسويق نموذجها الكلي والكوني على جميع المستويات في العالم أجمع.
وبين أنها أنجزت في القرن الثامن عشر الليبرالية، وفلسفة التاريخ، ومقولات: التقدم والعلمانية والعقلانية، وبدأت بالثورة الصناعية، وبواكير المعجزة الرأسمالية كما تراها في عيونها، وأنتجت التفوق الثقافي على مستوى المعرفة والفكر والتقنية، ونظريات التفوق، والثنائية الضدية (ألانا والآخر)، والاستعمار وحتى الاستشراق، وأصبحت كل الحضارات والثقافات الأخرى خصوماً وأعداء بالنسبة لأوروبا التي وعت ذاتها بهذا التميّز والخصوصية، فرتّبت الأقوام والشعوب والحضارات على سلم حضارتها، وفرضت المقاييس والمعايير النهائية لمعنى العلم والحضارة والثقافة والتقدم والفلسفة.
ورأى أن أوروبا أنتجت جملة من الأيديولوجيات المطابقة للمركزية والتي تحولت أو تمظهرت بالتفوق وازدراء الآخر، بالشوفينية والعرقية والإمبريالية، وأنتجت قافلة طويلة من الدعاة والأيديولوجيين لترويج المركزية الثقافية وتثبيت كيانها في الغرب وخارج الغرب، واعتمدت المركزية نظريات الداروينية والطبائع الجوهرية والتفسير الجغرافي الذي يثبت في نظرها مركزية الغرب بعقلية أوروبا والجنس الأبيض المؤهل لبناء الحضارة والثقافة بعكس الأقوام الأخرى العاجزة بنيوياً وكلياً عن هذا الإنجاز.
ولفت إلى انه للرد على المركزية الثقافية الأوروبية تطلب زمنا طويلا لقيام تيارات واتجاهات فلسفية قادرة على تسويغ نفسها لصد المركزية والقيام بالهجوم المعاكس؛ من النزعة الإنسانية والاعتراف بالآخر وفضله في صناعة الحضارة والتقدم إلى ظهور الماركسية في الشرق، وفلسفة التفكيك في الغرب وقافلة طويلة من المفكرين الغربيين من توينبي إلى غارودي.
وأشار إلى أن الغرب ارتبط بالعصور الحديثة من خلال الكشوف الجغرافية، حيث قسّمت أوروبا الأرض إلى عالمين؛ العالم القديم والعالم الجديد الذي تم تسمية الأمكنة والفضاءات فيه من الأوروبيين الفاتحين، منذ كولومبس، وكانت التسمية بمثابة تملّك للآخر الذي ترجم بالعبودية، وامتلاك للأرض ومن عليها بغض النظر عن أهلها، إلى أن جاءت الثورة العلمية إذ أصبحت المعرفة سلطة تجلّت في أوروبا والغرب، وانتقلت من السيطرة على الطبيعة إلى السيطرة على الإنسان .
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهرت تيارات فكرية عديدة ذات مرجعيات مختلفة في الغرب والشرق لتفكيك مركزية أوروبا الثقافية وإنصاف الآخرين المقهورين وإعادة أوروبا والغرب إلى حجمها الطبيعي وتمثل ذلك في العديد من النظريات في العلوم الإنسانية والنقد؛ كاستراتيجيات التفكيك مع جاك دريدا، والنظرية التواصلية مع هابرماس، واتجاهات ما بعد الكولونيالية واليسار في العالم الثالث والماركسية الجديدة.
وأشار إلى انه عربياً، تم مواجهة المركزية الغربية، إما بالتمركز المعكوس بلغة سمير أمين، أو بالنقد التاريخاني عند عبد الله العروي، أوالإستغراب عند حسن حنفي، أي بتحويل الغرب من ذات تتحكم فينا إلى موضوع للتحليل والنقد، أو بالتغريب والذوبان بالغرب، رداً على الإتجاهات الماضوية والسلفية التي رفضت الغرب وقيمه من حيث المبدأ.
وجرى في الندوة مداخلات شارك فيها رئيس الرابطة الدكتور موفق محادين، والأديب هزاع البراري، والباحث الدكتور جهاد حمادن، واستاذ الفلسفة بالجامعة الأردنية الدكتور توفيق شومر، والشاعران مهدي نصير وموسى حوامدة، والناقد الدكتور سليمان الأزرعي وغيرهم.