أكد مختصون وأكاديميون أن معدلات التدخين في الأردن تُعد من بين الأعلى عالميًا، حيث يُدخن حوالي 41 بالمئة من البالغين منهم 65.3 بالمئة من الرجال و16.4 بالمئة من النساء، بانتظام، كما يتعرض 79 بالمئة من السكان للتدخين السلبي.
وتقدَّر نسبة انتشار استخدام التبغ بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (13 - 15) عامًا بحوالي 24 بالمئة، في حين يصرّح ثلثا هؤلاء الشباب بأنهم يتعرضون للتدخين السلبي داخل منازلهم، فيما يؤدي هذا الواقع المقلق إلى وفاة 9027 شخصًا سنويًا بسبب أمراض مرتبطة بالتبغ، حيث أن 56 بالمئة منهم يموتون قبل الأوان.
وتقول الدكتورة رندة سعد، أخصائي فني أول في بحث وسياسات الأمراض غير السارية، والتي تقود ملف مكافحة التبغ في الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (امفنت) لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن توجيهات رئيس الوزراء تُمثل خطوة محورية لحماية صحة المواطنين من الآثار السلبية للتبغ والأرجيلة، حيث تسهم في تقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالأمراض المزمنة كأمراض القلب، والسرطان، والجهاز التنفسي، مع التركيز على حماية الفئات الأكثر عرضة للخطر كالأطفال والنساء الحوامل، مضيفةً أن هذه التوجيهات تعزز أيضًا الحد من التعرض للتدخين السلبي في الأماكن العامة، مما يُسهم في تحسين جودة الحياة بشكل عام.
وأضافت إن لهذه التوجيهات بُعدًا اقتصاديًا واجتماعيًا مهمًا، حيث تساهم في تخفيف العبء على النظام الصحي عبر تقليل تكاليف علاج الأمراض المرتبطة بالتدخين، بالإضافة إلى توجيه الموارد نحو تعزيز الخدمات الوقائية، كما يسهم تعزيز الالتزام بالقوانين في تحسين صحة القوى العاملة وتقليل الإجازات المرضية، مما يعزز الإنتاجية الوطنية.
وأوضحت أن الرقابة والتفتيش على أماكن بيع وتقديم التبغ والأرجيلة تعد ركيزة أساسية لضمان الامتثال للقوانين والتشريعات المتعلقة بمكافحة التبغ وحماية الصحة العامة، ولكنها تمثل الخطوة الأولى فقط نحو معالجة هذا التحدي، إذ يتطلب تحقيق هذا الهدف إنشاء نظام رقابي شامل وفعّال يعتمد على زيارات ميدانية دورية ومفاجئة تُنفذها فرق مدربة ومجهزة بأحدث الأدوات، مع توفير التدريب اللازم للجهات المعنية لضمان التنفيذ الأمثل، كما يُعد استخدام التكنولوجيا الحديثة لتتبع المخالفات ورصدها عنصراً أساسياً لتعزيز كفاءة الرقابة.
وتابعت أن تطبيق العقوبات الرادعة على المخالفين، بما في ذلك الغرامات المالية والإغلاق المؤقت أو الدائم للمنشآت المخالفة، يُشكل إجراءً ضرورياً لتعزيز الالتزام وتوفير بيئة خالية من التدخين السلبي، ويتكامل ذلك مع إشراك المجتمع المحلي بشكل فعّال، من خلال تمكين المواطنين من الإبلاغ عن المخالفات عبر منصات مخصصة، مما يضيف بُعدًا رقابيًا مجتمعيًا يعزز جهود الجهات المختصة.
ولفتت إلى أن التوعية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الامتثال، سواء بين أصحاب المنشآت أو المجتمع ككل، مبينةً إن حملات التوعية التي تُبرز مخاطر التدخين وأهمية الالتزام بالقوانين تسهم في خلق وعي مجتمعي يدعم تنفيذ التدابير الرقابية، كما أن التعاون بين الجهات الحكومية المختلفة، مثل وزارات الصحة والداخلية والبلديات، يُعد أمرًا جوهريًا لضمان تنسيق الجهود وتكاملها.
وقالت إن إلتزام الأردن بتحسين جودة حياة مواطنيه يتماشى مع الأهداف الصحية العالمية، و التي حددتها اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وإن تعزيز هذه الجهود من خلال مكونات مبادرة MPOWER، ومثل مراقبة استهلاك التبغ (Monitor)، وحماية المواطنين من التدخين السلبي (Protect)، وفرض قيود صارمة (Enforce bans)، وزيادة الضرائب على منتجات التبغ (Raise taxes)، أمرٌ ضروري لتحقيق تأثير مستدام.
من جهتها، أشارت أمين سر جمعية "لا للتدخين" الدكتورة لاريسا الور إلى أن الأردن من أعلى نسب التدخين عالميا، إن لم يكن الأعلى بين الذكور بحسب إحصائية 2019 (STEP SURVEY) ، فإن حوالي 80 بالمئة من الرجال و 20 بالمئة من السيدات يدخنون إما السجائر والأرجيلة أو السجائر الإلكترونية.
وأضافت أن الأردن يعتبر الأعلى استهلاكاً للسجائر عالمياً، مبينةً أن 80 بالمئة من الأردنيين يتعرضون للتدخين السلبي، وهذه النسبة الأعلى عالمياً، لافتةً الى أن سن البدء في التدخين يتجه نحو الانخفاض، اي البدء في التدخين لدى الفئات العمرية الأصغر.
وقالت إن نسبة انتشار تدخين الأرجيلة بين النساء الموظفات تبلغ 43 بالمئة اي ضعف نسبة انتشارها بين الرجال المدخنين 21 بالمئة، وأن نسبة انتشارها بين الفئة العمرية (18 - 44) هي تقريبا ضعف انتشارها بين الفئة العمرية (45- 69) لكلا الجنسين، وذلك بحسب المسح الوطني التدريجي لعوامل الخطورة المرتبطة بالأمراض غير السارية لعام 2019.
وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية عن اتجاهات انتشار تعاطي التبغ 2000-2030، فإن الأردن من الدول الست التي يتجه فيها مؤشر التبغ إلى الزيادة في الانتشار.
وأضافت الور، وبحسب التقرير العالمي لمؤشر تدخل شركات التبغ لعام 2023، فإن الأردن يحتل المرتبة السادسة من حيث تدخل شركات التبغ في صنع القرار، كما وقع الأردن على الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ 2004، وصادق عليها 2005، ويشير البند الثامن منها إلى وجوب حماية الناس من التعرض للتدخين السلبي لانه لايوجد هناك أي مستوى آمن من التعرض للدخان، حيث أنه لا يمكن تحقيق ذلك بأي حلول هندسية مثل أنظمة التهوية وأماكن مخصصة للتدخين، فيما تعرف منظمة الصحة الأماكن المغلقة، بالأماكن التي لها سقف وحائط.
وبالنسبة إلى تقديم الأراجيل في المطاعم، ذكرت الدكتورة الور، أن دولا كثيرة، بما فيها دول المنطقة مثل الخليج العربي، منعت الأراجيل، ولم تتأثر سلباً سياحيا، متسائلة كيف يمكننا أن نسوق للسياحة العلاجية في الأردن مع انتشار التدخين في الأماكن العامة؟ وكيف لمريض السرطان أو القلب الذي يأتي بصحبة عائلته، أن نعرضه إلى التدخين السلبي في كل مكان؟.
وأشارت إلى دراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية في الأردن تم نشرها عام 2019، وهي "جدوى استثمارية قطاع التبغ في الأردن"، بينت أن دخل الأردن من ضرائب التبغ المباشرة وغير المباشرة لعام 2015 بلغ 889 مليون دينار أردني مقابل 1,6 بليون دينار أردني الفاتورة الصحية المباشرة وغير المباشرة لذات السنة.
وأضافت أن 25 بيت عزاء يفتح يومياً في الأردن بسبب وفيات مرتبطة بالتدخين ومنها 4 وفيات بسبب التدخين السلبي، حيث يبلغ عدد الوفيات 9027 سنويا، منها 1600 بسبب التدخين السلبي.
وطالبت الور، بتطبيق القانون على جميع الأماكن العامة (منع التدخين)، وإعادة تعريف المكان المغلق بما يتماشى مع تعريفه في البند 8 من الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، بالإضافة إلى إلغاء جميع تراخيص الأراجيل التي صدرت بعد المنع، وتحميل الجهات التي أعطت هذه الرخص التبعات القانونية لذلك.
كما طالبت بإلغاء لجان التفتيش الحالية على التدخين، وأن تمتلك وزارة الصحة هذا الحق بحيث تستعين بمن تراه مناسباً لذلك مثل أمانة عمان في العاصمة، متبعةً توصياتها بالتأكيد على منع تواجد الأطفال دون 18 عاما في الأماكن التي يسمح لها بتقديم الأراجيل ( تراخيص قديمة قبل المنع) وذلك حمايةً لصحتهم.
وردا على المخاوف التي تطلقها شركات التبغ وشركاؤها من تطبيق القانون، تقول الدكتورة الور إن اقتصاد أي دولة لا يقتصر على السماح بالتدخين، وأن هناك دولا قامت بتطبيق القانون ولم تتأثر.
بدوره، قال عميد كلية الطب في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد القضاة، إن التوجه الحكومي بسن تعليمات خاصة لغايات الرقابة والتفتيش على أماكن بيع وتقديم التبغ والارجيلة يأتي في مرحلة هامة نظرا لتزامنه مع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التبغ وجميع اشكال التدخين التي اقرت خلال هذا العام؛ وهو توجه سيساعد الجهات ذات العلاقة بانفاذ الاستراتيجية من جانب، ومن جانب آخر تعزيز البيئة القانونية القادرة على سد الثغرات القائمة حاليا في آليات الرقابة والتفتيش، وتشكل أداة انفاذ للنصوص الواردة في قانون الصحة العامة.
وأضاف أن هذه التعليمات ستشكل أرضية واضحة وملزمة لغايات الرقابة والتفتيش، ومن المفيد أن تعمل ضمن مسارات متعددة؛ ابتداء بتوضيح وتحديد الممارسات التي تشكل مخالفات، مرورا بتوضيح الأدوار ومسؤوليات الجهات المعنية لتعزيز القدرة على المساءلة والمحاسبة في حال التقصير في عملية الانفاذ، وانتهاءً بالتدرج بايقاع العقوبات وفق خطورة الأفعال وجسامتها ضمانا لعدم تكرار هذه الأفعال.
وأوضح أنه من الناحية الصحية هناك انعكاسات هامة للقرار والعمل بهذه التعليمات، حيث إن التدخين ومن أحد اشكاله التدخين السلبي، يغفل الكثيرون عن تقدير خطورته على الأطفال و على النساء الحوامل وعلى جميع افراد المجتمع غير المدخنين.
ولفت إلى شكل اخر من التدخين وهو الدخان التراكمي؛ وهو بقايا التبغ التي تبقى بعد إطفاء منتجات التبغ، حيث تحتوي بقايا السجائر ايضا على مواد كيميائية معروفة الخطورة، مبينا أن بعض الدراسات اكدت ان ضررها يستمر طالما بقيت عالقة على الملابس والشعر والبشرة، ولذلك يزداد خطر هذا النوع في أماكن العمل التي يتم التدخين فيها، أما في المنازل، أكدت اغلب الدراسات ان الدخان التراكمي يتراكم مع الوقت على السجاد والجدران والاثاث وألعاب الاطفال، مما يزيد من خطورة تعرض الاطفال للمضاعفات بسبب هذا النوع من التدخين.
وأشار إلى أنه مع ارتفاع معدلات تعاطي التبغ في إقليم شرق المتوسط إلى حد يُنذر بالخطر، ومع تصدر المجتمع الاردني لأعلى نسب تعاطي التبغ و مشتقاته، فإننا وفي حال لم نسيطر على هذه الظاهرة يجب ان نتهيأ لدفع ثمن غال صحيا واجتماعيا واقتصاديا بسبب ارتفاع فاتورة العلاج للأمراض الناتجة عن التدخين.
وتشير المؤشرات الرقمية إلى أن هناك أكثر من 4000 مادة كيميائية معروفة في دخان التبغ منها على الأقل 40 مادة تسبب السرطان، ومن الثابت علميا ان اثر التدخين السلبي يبدأ خلال دقائق من التعرض له، و تتنوع اعراضه من التحسس الى الصداع الى الربو، ويزيد من فرص الامراض المزمنة سواء امراض القلب والاوعية الدموية وحتى السرطان وخاصة سرطان الرئتين.
وأوضح أنه من الناحية الاجتماعية فستنعكس هذه التعليمات ايجابا؛ حيث ان الاطفال والمراهقين الذين يجدون آباءهم وامهاتهم مدخنين سواء للأرجيلة او السجائر التقليدية، سيكونون أكثر عرضة بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة ليصبحوا مدخنين أيضًا، لافتاً إلى أن أن تعرضهم للتدخين السلبي لفترات طويله سيزيد من انجذابهم لهذه العادة، كما أن تدخين الأقران في مراحل المدرسة يزيد ايضا من فرص ذلك بسبب التقليد.
وشدد القضاة على أنه يجب علينا دعم كل السياسات التي تمنع التدخين، وذلك لمنع جذب الاطفال والمراهقين لهذا السلوك السلبي، فإن لم نستطع اقناع المدخنين بالإقلاع عن التدخين فلندعم من الآن اي سياسات تمنع الاطفال من الوقوع في هذه العادة السلبية.