بقلم : د. محمد المناصير 

الاطماع اليهودية في الديار الاردنية ومقاومتها :

لنفهم الذي الذي قام به كايد الفلح علينا ان نعود في التاريخ عشرات السنين فقد جاءت حركة الشيخ كايد المفلح العبيدات ذودا عن فلسطين والاردن ضد اطماع اليهود والصهاينة في الديار الأردنية ، فلا يفتأ الكيان الصهيوني اللقيط أن يعلن على رؤوس الأشهاد: أن الأردن جزء من (أرض إسرائيل)، وإن تواضع شيئاً قليلاً وصفها بـ (الوطن البديل) وقد عرضت الخرائط على التلفاز . 

 ولا يخفي عليكم اتفاق سايكس بيكو عام 1916م الذي تضمن معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا ، ووعد بلفور البريطاني اليهود عام 1917م  الذي طالب بالأراضي الضرورية للزراعة والصناعة، في والمناطق التي تكفل السيطرة الاستراتيجية على مداخل فلسطين الرئيسة لحماية فلسطين عسكرياً، في دعوة لضمّ شرقي الأردن إلى الوطن القومي اليهودي .

وجرى توزيع عشرات الآلاف من النسخ من قصيدة (جابوتنسكي) التي جاء فيها: (نهر الأردن له ضفتان، واحدة لنا، وكذلك الأخرى لنا )؛ فتوحد الشعور الديني لدى اليهود، وتناسى الصهيونيون خلافاتهم . وهذا ما جعل مفلح العبيدات ونجله كايد المفلح العبيدات ومن معه من الوطنيين للتصدي لهذه الاطماع التاريخية وهي كما يلي :

-  في عام (1867م) قدم (تشارلز وورن) بحثاً للصندوق البريطاني لأبحاث أرض إسرائيل من أجل الاستيطان في منطقة جلعاد بشرقي الاردن .

- وأعاد اليهود في عام 1870 إحياء أسطورة نهر "يبوق" من جديد، وبنوا على ضفته الشمالية بوادي جرش مستوطنتين زراعيتين دعيت احداهما (راحيل) وهي قرية الرحيل الواقعة بين قرية دوقرة وقرية أبو الزيغان ، والثانية في منطقة المجر شرق جرش وتعرف بخربة عيبتا لتكونا نواة لمخططاتهم المستقبلية التوسعية، إضافة لمستوطنة ثالثة هي (كفار اهود) وتسمى اليوم كفرهودا في منطقة جلعاد في منتصف الطريق بين السلط والاغوار وما زالت الى يومنا هذا تدعى ارض اليهودي، حيث كان المستوطنون يعملون بالزراعة نهاراً ويقومون بالحراسة ليلاً خوفاً من هجمات سكان المنطقة المجاورين، بعد اربع سنوات حاولوا شراء اراضي جديدة لتوسعة المستوطنتين وجلب مستوطنين جدد، عندها إستشعر الأردنيون خطورة وجود نواة مستوطنات يهودية على اراضيهم وقرروا مقاومة وإفشال الاستيطان الصهيوني في شرق الأردن.

 ففي صيف عام 1876 عُقد اجتماع في بلدة ساكب اطلق عليه ( ليلة ساكب) في مضافة الشيخ رجا المصطفى العياصرة لتدارس موضوع استيلاء اليهود على عدة اراض في شرق الاردن ، ضم الاجتماع شيوخ ووجهاء عشائر بني حسن، وبعض عشائر شمال الأردن، وقد ترأس الاجتماع الشيخ مفلح عبيدات " أبو كايد" شيخ كفرسوم، حيث قرر المجتمعون الهجوم بما يملكون من أسلحة على المستوطنتين اليهوديتين، وفعلاً قام المقاتلون بحرق المستوطنتين وطرد اليهود من المنطقة. ثم توجهوا بعدها إلى السلط وأحرقوا المستوطنة الثالثة، ومن ثم قام رجالات العشائر هؤلاء بتقديم عريضة موجهة إلى الصدر العثماني الأعظم، طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود إلى الأردن وفلسطين ومنع استملاكهم للأراضي . وهذا أول عمل وطني قام قام به الاردنيون قبل ان يتنبه اهل فلسطين للخطر اليهودي وهو أول عمل عسكري منظم ضد الفكرة الصهيونية على الأرض الاردنية والعربية عموما قاده مفلح العبيدات ، وومنع الإستيطان اليهودي في بلادنا بسبب وعي العشائر الاردنية المبكر لخطورة المشروع الصهيوني .والذي تمثل بما يلي :

- وفي عام (1871م) أسس (يهوشع يلبن) شركة من أجل شراء الأراضي في شرق الأردن.

- دعا أوليفانت بريطانيا إلى تأييد مشروع توطين اليهـود لا في فلـسطين وحســب وإنما في (الضفة الشرقية للأردنّ) كذلك. وكان المشروع يتلخّص في إنشاء شركة استيطانية لتوطين اليهود، برعاية بريطانية وبتمويل من الخارج ، وفي عام 1880، نشر أوليفانت كتابه " أرض جلعاد" الذي نادى فيه بضرورة توطين اليهود في فلسطين، كما شرح فيه أبعاد فكره الصهيوني فبعد أن عبَّر أوليفانت عن عدم تعاطفه مع العرب باعتبارهم مسؤولين عن إفقار فلسطين، قسَّمهم إلى قسمين؛ بدو وفلاحين. واقترح طرد البدو ووَضْع الفلاحين في معسكرات مثل معسكرات الهنود في كندا، على أن يتم استخدامهم كمصدر للعمالة الرخيصة تحت إشراف اليهود.

- وفي عام (1887م) زار البارون اليهودي (روتشيدلد) فلسطين، ودعا إلى الاستيطان اليهودي في شرقي الأردن، ورصد مبالغ مالية لشراء الأراضي فيها.

- وفي عام (1891م) اقترح (مردخاي) تنظيم الاستيطان اليهودي في شرق الأردن ضمن مجموعات تضم من (100-200) شخصً.

 -  وبعد عام (1891م) تضاعفت الدعاية اليهودية للاستيطان في شرقي الأردن، ومن ذلك:

-  دعوة (رابطة محبي صهيونية) ودعوة (أحاد همام) للاستيطان اليهودي لشراء الأراضي في شرق الأردن.

-  وقام عدة أفراد يهود بمساعدة بعض التجار بشراء أراضي في منطقة البلقاء ؛ لكن الحكومة التركية ألغت هذه البيوع، ومنعت شراء الأراضي، ووزعت الأراضي على أهالي السلط.

-  وخلال الفترة من (1903-1914م) قام أحد تجار اليهود واسمه (أهارون بلوم) بشراء قطع أراضي في (أم العمد) قرب زيزياء، وسجلها في محكمة السلط بتاريخ (8/10/1903).

- وخلال الفترة بين عامي (1909-1911م) سعت مجموعات يهودية لشراء الأراضي في حوض الزرقاء لربط شمال فلسطين مع أراضي جلعاد وعمان.

- وفي عام (1968م) كان الهدف من دخول الجيش اليهودي -حيث حصلت معركة الكرامة التي هزم فيها الجيش اليهودي شر هزيمة-؛ هو: الاستيلاء على مرتفعات السلط لاحتلال جلعاد أي البلقاء .

- وفي عام (2003م) أثناء الغزو الصليبي الأمريكي لبلاد الرافدين (العراق) عزمت دولة اليهود باجتياح شرقي الأردن؛ كما صرح بذلك شارون.

وعتقد اليهود أنهم ملكوا الأردن قبل أن يملكوا فلسطين، وأن الديار الأردنية أعطيت لثلاثة من أسباطهم الإثني عشر.

الشيخ كايد المفلح العبيدات :

هو كايد بن مفلح بن جبر بن فندي بن مصطفى بن إبراهيم بن أحمد بن عبيد بن محمد بن عبيد عبيدات. يذكر المؤرخ والباحث الأردني سليمان الموسى في كتابه «أن الشيخ كايد كان شخصية مهيبة نافذة وزعيما مرموقا في ناحية لواء بني كنانة وعلى اتصال وثيق برجال الحركة الوطنية. ولد كايد مفلح العبيدات في بلدة كفرسوم عام 1868م كان والده زعيم عشيرة العبيدات، وأمّه هي عائشة الداوود من قرية حرثا، تعلّم القراءة والكتابة على يد الشيخ عبد الله العمري، وأصبح شيخًا لعشيرته بعد وفاة أخيه الأكبر محمد المفلح الذي ورث الزعامة عن أبيه، وكان ذلك كلّه في سياق الدّولة العثمانية وباعترافها.

تلقى تعليمه في الكتاتيب في شمال الأردن، حيث حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة، وقد كان مناوئاً لسياسات حزب الاتحاد والترقي الذي وصل لحكم الدولة العثمانية عام 1908م وكان على علاقة وثيقة بالجمعيات العربية التي ظهرت في ذلك الوقت. وتربطه علاقة مع الملك فيصل ملك سورية . 

وخلال الفترة 1910 – 1911 تعمّق نشاط كايد المفلح السياسي عبر اتصاله بأعضاء وقيادات من جمعيّة المنتدى الأدبي، وحزب اللامركزيّة الإداريّة العثماني، والجمعيّة القحطانيّة، وجمعيّة العربيّة الفتاة، . 

وكان عام 1912 – نقطة التحوّل الأولى في حياة كايد المفلح، حيث التقى بأحمد مريود في بلدته «جباتا الخشب» في قضاء القنيطرة تحت غطاء تقديم العزاء بوالدته، وهناك التقى بشخصيّات وازنة منهم الأمير محمود الفاعور، وسلطان الأطرش، ونبيه العظمة، وعادل أرسلان، وغيرهم، وفي ذلك اللقاء، طلب نبيه العظمة جلسة سريّة مع كايد المفلح حضرها أحمد مريود، وتمّ فيها الاتفاق على أن تكون منطقة الكفارات ملاذًا للثوّار والشخصيّات الذين تلاحقهم السّلطات العثمانيّة؛ وهو الاتفاق الذي تم تنفيذه عام 1915 حين قام أحمد مريود بتهريب جلال البخاري وعز الدين التنوخي (المطلوبين لجمال باشا السفّاح) إلى كفر سوم حيث استضافهم كايد المفلح قبل أن يغادرا إلى الزرقاء، فالموقّر، فالجوف.

وفي عام 1917 – كانت نقطة التحوّل الثانية في حياة كايد المفلح، حيث انعقد اجتماع عجلون لمواجهة وعد بلفور، وقد حضره عدد كبير جدًّا من الشخصيّات منها سليمان السودي الروسان ، وراشد الخزاعي الفريحات ، وناجي العزّام، وكليب الشريدة، وعبد الرحمن الرشيدات، وعارف العنبتاوي، وغيرهم، برئاسة كايد المفلح العبيدات ، وكلّفوه بأن ينوب عنهم بمراسلة زعماء العشائر في بقية المناطق للتعبئة ضد وعد بلفور.

وفي تشرين الأول 1918 – دخول الجيش العربي إلى دمشق ووصول الأمير فيصل إليها وتشكيل أول حكومة عربيّة تدير البلاد السوريّة الداخليّة من حلب إلى معان برئاسة علي رضا الركابي كان كايد المفلح من اوائل المتصلين بالامير فيصل في دمشق .

وفي نهاية 1919 –قاد علي خلقي الشرايري العمل المسلّح ضد الفرنسيّين والبريطانيّين انطلاقًا من شمال ما أصبح الأردن، بعد اتفاقٍ حول ذلك مع محمود الفاعور وأحمد مريود وشكري القوّتلي، وقد راسل علي خلقي زعماء النواحي (ومنهم كايد المفلح العبيدات) لإسناد هذا التوجّه له ؛ وشكّل كايد المفلح قوّة مسلّحة من 20 شخصًا من القرى التابعة له للمشاركة في «ثورة الجولان» التي ينظّمها علي خلقي، وهي نواة القوّة التي قامت بعمليّة سمخ.

جاء في كتاب ( الأردنيون والقضايا القومية والوطنية ) لمؤلفه الدكتور محمد عبد القادر خريسات أن رجالات الحركة الوطنية العربية المقيمين في دمشق وجهوا الدعوة الى العديد من زعماء العشائر الأردنية لعقد لقاء تصالحي في النادي العربي بدمشق في أواخر شهر تشرين الثاني من عام 1919 حضره شيوخ عشائر بني صخر وبني حسن وعباد والعتوم والمحارمة والغنيمات(أبو الغنم) وعشائر السلط والونديين والشراكسة الى تلبية الدعوة ، وعقد مؤتمر_الوئام_العشائري ونجح نجاحا باهرا .

ولم يلبث اللقاء الى مؤتمر سياسي أصدر المشاركون فيه بيانا سياسيا تضمن إحتجاج اهالي البلقاء وعجلون وشمال الاردن ورفضهم للمؤامرة التي تمت بين وزير خارجية بريطانيا لويد جورج ووزير خارجية فرنسا كليمنصو لتجزئة البلاد العربية كما طالبوا برفض الهجرة الصهيونية الى فلسطين التي كانت تشجعها الحكومة البريطانية ومما جاء في البيان كما اوردته صحيفة العاصمة الدمشقية في عددها الصادر في 4/12/1919م  .

وكان مؤتمر ام قيس في أيلول 1920، هو المحطة الحاسمة في مكون الهوية الوطنية الأردنية قبيل تأسيس الإمارة، ففيه طالب الأهالي بتشكيل حكومة عربية وطنية مستقلة يترأسها أمير عربي مكونة من لوائي السلط والكرك وقضائي عجلون وجرش وضم لواء حوران وقضاء القنيطرة والمطالبة بميناء حيفا . حيث وضع المؤتمر أسس الدولة الاردنية المستقبلية .

 وفي 6  آذار 1920 – انعقد المؤتمر السوريّ بممثّلين من جميع أنحاء سوريّة الطبيعيّة في دمشق بما فيهم رجالات من جميع انحاء شرق الاردن .

وفي 8 آذار 1920 – قرّر المؤتمر السوريّ إعلان الدّولة العربيّة المستقلّة في سوريّة الطبيعيّة، وعلى رأسها فيصل ملكًا، وقد قام كايد المفلح العبيدات بتقديم التهنئة له في نفس اليوم ، ولم تعترف أيّ من القوى الكبرى (بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة) بهذه الدّولة. وقد أتى هذا الإعلان استباقًا لمؤتمر سان ريمو، وهو امتداد لمؤتمر باريس للسلام، والذي سيقرّر فيه المنتصرون في الحرب العالميّة الأولى اقتسام المنطقة.

وفي بداية آذار – بداية نيسان 1920 قام كايد المفلح العبيدات بقيادة مجموعة كبيرة من الحوارات والاتصالات مع شيوخ النواحي في قضاء عجلون لطرح فكرة العمل المسلّح ضد البريطانيّين والمستوطنات الصهيونيّة.

وفي نيسان 1920 – عقد اجتماع حاشد في بلدة «قم» بضيافة الشيخ ناجي العزّام، حضره شيوخ وشخصيّات نواحي لواء عجلون، وقيادات من فلسطين، بعد ان وصلت اليهم قرارات مؤتمر السلط في البلقاء لدعم توجّه كايد المفلح العبيدات بالعمل المسلّح، وقد وافق المجتمعون على شنّ غارات هجوميّة تستهدف معسكرات الجيش البريطاني والمستوطنات الصهيونية، في الأراضي التابعة لمنطقة سمخ؛ يكون موعد الهجوم على هذه المواقع في الساعة الثامنة من صباح يوم 20 نيسان 1920؛ بقيادة الشيخ كايد المفلح العبيدات ، وتأتمر القوّات بأمره؛ تنطلق القوّات من مناطقها فجر يوم 20 نيسان، وتلتقي في قرية المخيبة، ومنها تنطلق إلى سمخ؛ يتم الاتصال بذوي الخبرة العسكرية للنصح؛ يتم إعلام علي خلقي الشرايري بخطة الهجوم؛ يتم تشكيل فرقة لإخلاء القتلى والجرحى.

وفي 19 نيسان 1920 – عقد مؤتمر سان ريمو الذي حدد فيه الاستعمارين الفرنسي والبريطاني مناطق نفوذهما في المشرق العربي. 

وفي 20 نيسان 1920 – بدأ تنفيذ عمليّة سمخ بقيادة كايد المفلح العبيدات، واسفر الاشتباك عن استشهاده مع ثلاثة من رفاقه هم فندي المفلح وفندي القفطان وسلطان الجبر؛ تزامنت العملية مع اليوم الثاني من مؤتمر سان ريمو الذي استغرقت أعماله ثمانية أيام، وصدرت قراراته في اليوم قبل الأخير منه.

وفي 14 تموز 1920 – أنذر الجنرال الفرنسي غورو الملك فيصل خطيًّا بقبول الانتداب الفرنسي على سوريّة الداخليّة وبعدم معارضة جنوده الذين سيزحفون لاحتلال المناطق المخصصة لهم في اتفاقيّة سان ريمو.

21 تموز 1920 – بدء زحف القوات الفرنسيّة إلى دمشق.

24 تموز 1920 – معركة ميسلون، وسقوط دمشق في اليوم التالي، ونهاية المملكة السوريّة.

إن أخذنا بعين الاعتبار الفارق النوعيّ في العتاد والتدريب والتسليح بين قوّة العبيدات وقوات الجيش البريطاني في الموقع، والتي كان على رأسها ضابطان رفيعان هما أليك كيركبرايد وسُمرست، عجّل وجودهما على ما يبدو بإرسال المزيد من التعزيزات؛ وإن أخذنا بعين الاعتبار حجم الخسائر التي وقعت في القوّة المُهاجِمة (أربعة شهداء فقط)، وتمكّنهم من إرهاب الخصم وإرباكه، وإحداث عدد من الإصابات في الجنود، «كان أحدهم ضابط، إشارة أطلّ من النافذة فأصابته طلقة في صدره»، بل وتمكّنهم من إصابة طيّار «بجرح خطير من طلقة بندقيّة» اضطرّ بعدها للهبوط بطائرته، ومن ثمّ تمكّنهم من الانسحاب بنجاح، والعودة لاستعادة جثامين الشهداء ليلًا؛ إن أخذنا كلّ تلك الأمور في عين الاعتبار، فإن الاستنتاج الوحيد الممكن هو أن العمليّة كانت ناجحة نسبيًّا، وربّما تكون صدفتها القاتلة والحاسمة هي استشهاد القائد نفسه في الانطلاقة الأولى، فاندفنت معه الإمكانيّات اللاحقة كلّها.

وكان من المقرر ان تلتقي مجموعة كايد المفله بقوّات من فلسطين على رأسها عبد الله الفاهوم ومحمود شتيوي، فتنغلق بذلك فكّا الكمّاشة على العدو. كان التنسيق مع أحد الضباط العرب (هو الملازم أول محمد الهندي) في المعسكر الإنجليزيّ بأن يُسلّم المعسكر دون إطلاق نار، وأن تأخذ مجموعة العبيدات ما فيها من أسلحة وعتاد وتستكمل الهجوم، لكن اشتباكًا مسلّحًا وقع في المعسكر على غير المتوقّع، واشتبكت المجموعة مع جنود وفرسان هنود جاءتهم تعزيزات سريعة بالطائرات وبقوات إضافية من طبريّا، وخلال ذلك سقط أوّل شهيدين من القوّة المُهاجمة: فندي المفلح العبيدات وفندي القفطان العبيدات . أمام هذه المفاجأة، والتعزيزات، والطائرات، وعدم التكافؤ في القوى، قرّر كايد المفلح الانسحاب، لكنّه افتقد المجموعة التي يقودها ابنه تركي، وفيها أحد أهم فرسان القوّة عبد الرحمن العبويني (الملقّب بـ«الأقرع»)، فخشي كايد المفلح أن تستفرد التعزيزات بهذه المجموعة فعاد لنجدتها، وفي تلك العودة رصدته طائرة إنجليزية ورشقته بنيرانها الرشّاشة فاستشهد. وخلال المعركة، كان سلطان الجبر المفلح العبيدات قد أصيب بجروح بليغة، فأُخلي إلى سحم، واستشهد في الطريق أو بعد وصوله، ليكون رابع الشهداء في هذه المعركة. ليلًا، استعادت مجموعة من درعا جثامين الشّهداء، وشيّعوا في كفر سوم في اليوم التالي.

وقد استشهد قائد المجموعة كايد المفلح العبيدات االذي كان يبلغ من العمر لحظة وفاته 52 عامًا، حمل المجاهدون جثمان الشهيد من أرض المعركة وهربوا بها إلى عمق درعا ثم الرمثا حيث زفوا الشهيد من هناك إلى كفرسوم وحضر عند رأسه شاعر الأردن الأكبر الدوقراني (1830/ 1927) ورثاه بقصيدة مطلعها: 

رثى الشاعر الشعبي الدقرواني الشهيد بالابيات الشعبية التالية : يوم جاني علم أبو تركي صحيح كانني مصروع صايبني جنون سال دمعي فوق وجناتي طفيح وسقاني البين كاسات الغبون فالح السمرين هالوجه الفليح بالعدى فتاك ربعه يشهدون اهل حوارة مع اربد والصريح والحصن والنعيمة مع اهل ايدون

عبر كل واحد عن حزنه بطريقته الخاصة. فهذا الشاعر الشعبي الدقرواني يقول في رثاء الشهيد كايد المفلح :

يوم جاني علم أبو تركي صحيح

كانني مصروع صايبني جنون

سال دمعي فوق وجناتي طفيح

وسقاني البين كاسات الغبون

فالح السمرين هالوجه الفليح

بالعدى فتاك ربعه يشهدون

اهل حوارة مع اربد والصريح

والحصن والنعيمة مع اهل ايدون

لا تهابوا الموت.. من هابه قبيح

من يموت اليوم للجنة مضمون

وقد رفع اهالي شمالي الاردن والجولان وجنوبي سورية الرايات السوداء على منازلهم حدادا عليه . ترك رحمه الله خمسة من الأبناء وهم : المرحوم تركي وهو أكبرهم وبه كان يكنى , والمرحوم يوسف , والمرحوم محمد , والمرحوم أحمد , والمرحوم فيصل , رحمهم الله جميعا.

وقد كان نساء المنطقة يمعدن «يوم سمخ»: قائلات :

ما حَضَرْتِنْ يُوم سَمَخ يا بَنَات         لَوْ حَضَرْتِن كَانْ جِيتِنْ فَارْعَاتْ

طَيّارَه بْوَسْطْ السَّمَا يا حِيفِي               ضَرْبَت عَ كايد على لَمْعَ السِّيفِ

طَيَّارهْ وَسْطْ السَّمَا طيَّارهْ                    ضَرْبَت عَ كَايِد يُوم قَادْ الغَارَهْ.

 مقتطفات من محاضرة القيتها في ندوة مئوية الشيخ كايد المفلح العبيدات 

كفر سوم 26/4/2025م