منذ بداية الألفية، اتخذ الأردن، عبر خطابات جلالة الملك عبدالله الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، موقفًا ثابتًا وواضحًا من القضية الفلسطينية.
لم يكن هذا الموقف مجرد خطاب دبلوماسي، بل كان يمثل عقيدة سياسية راسخة تستند إلى ثوابت وطنية وقومية، فالخطابات الملكية لم تكن مجرد تكرار، بل كانت تأكيدًا مستمرًا على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل، مع الالتزام بمبادئ محددة لم يتنازل عنها الأردن أبدًا.
ويمكن تلخيص الثوابت الأساسية التي تكررت في جميع الخطابات الملكية من عام 2000 وحتى اليوم في النقاط التالية:
حل الدولتين هو الحل الوحيد:
منذ البداية، أكدت خطابات الملك أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع. هذا الحل يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بسلام وأمان إلى جانب دولة إسرائيل.
ولم يتزعزع الأردن عن هذا المبدأ، حتى في أوقات الشك الدولي وتراجع بعض الأطراف عن تبنيه.
القدس والمقدسات:
حافظ الأردن على موقفه الثابت بأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية. كما تم التأكيد مرارًا على دور الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وضرورة حمايتها من أي محاولات لتهويدها أو تغيير وضعها التاريخي والقانوني.
وكانت هذه النقطة محورًا أساسيًا في كل خطاب، مما يعكس البعد الديني والتاريخي للقضية بالنسبة للأردن.
حق العودة والتعويض للاجئين:
لم يغفل الأردن أبدًا عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، وهو حق أساسي يكفله القانون الدولي. وأكد الملك في خطاباته ضرورة إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين، يضمن حقوقهم بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194.
رفض الإجراءات الأحادية:
لطالما حذرت خطابات الملك من مخاطر الإجراءات الأحادية مثل التوسع الاستيطاني، وضم الأراضي، وتهجير السكان، واعتبرتها عقبات حقيقية أمام تحقيق السلام. واعتبر الأردن أن هذه الإجراءات تقوض أي فرصة لحل الدولتين وتزيد من حالة عدم الاستقرار.
موقف ثابت
على مدى العقود الماضية لم يتغير جوهر الموقف الأردني، بل الذي تغير هو الموقف الدولي.
في بداية الألفية، كان الحديث عن حل الدولتين يواجه تحديات كبيرة، وكان هناك بعض التردد من قوى دولية كبرى في تبنيه بشكل كامل.
اليوم، وبعد سنوات من الصراعات والحروب، أدرك العالم بشكل متزايد أن حل الدولتين ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. أصبحت معظم الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تؤكد على هذا الحل كسبيل وحيد للمضي قدمًا.
إن تزايد عدد الدول التي تعترف رسميًا بدولة فلسطين يؤكد صحة الرؤية الأردنية التي كانت تدعو دائمًا إلى إقامة هذه الدولة. وهذا الاعتراف المتزايد يعكس فهمًا أعمق للقضية ولأهمية تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
ومع تزايد القلق من الإجراءات الأحادية أصبحت الدول الكبرى تتخذ مواقف أكثر حزمًا تجاه الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، مثل الاستيطان، وتعتبرها عائقًا أمام السلام. وهذا التغير يعكس تبنيًا فعليًا لما كان الأردن يحذر منه منذ سنوات.
وعلى مدى السنوات، لم يتنازل الأردن عن ثوابته، بل ظل متمسكًا بها في وجه كل التحديات. واليوم، وبعد أكثر من عقدين من الزمن، أصبحت هذه الثوابت هي محور الإجماع الدولي، مما يبرهن على أن الرؤية الأردنية كانت دائمًا متقدمة وصحيحة، وأنها كانت تنظر إلى المستقبل بعين ثاقبة تستشرف أن العدل والسلام لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال حل الدولتين.الدستور