في زمنٍ تتكالب فيه الأزمات، وتضيع فيه البوصلة بين المواقف والمصالح، يبقى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، حفظه الله، ثابتًا كالجبل، صادق الموقف، راسخ الكلمة، يسير بالأردن بثقةٍ وحنكةٍ نحو الحفاظ على ثوابته الوطنية والقومية، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية وملفّ غزّة الجريحة.
لم يكن موقف جلالته مجرّد ردّ فعلٍ آنٍ أو تصريحٍ عابر، بل هو نهجٌ استراتيجيّ متجذّر في الفكر الهاشميّ الأصيل، الذي حمل رسالة العدل والكرامة منذ فجر التاريخ. فقد أكّد جلالته في أكثر من محفل دولي أن الأردن لن يتراجع عن دوره التاريخي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وأنّ غزّة جزء لا يتجزأ من الضمير العربي والوجدان الإنساني.
قيادة حكيمة في زمن العواصف
منذ اندلاع العدوان على غزّة، كانت بوصلة جلالة الملك واضحة لا غموض فيها: وقفُ العدوان، حماية المدنيين، ودعم صمود الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة.
أدار جلالته الملفّ ببرودة الأعصاب ودفء الإيمان، مستخدمًا أدوات الدبلوماسية الذكية التي يعرف العالم أنها من خصال القيادة الهاشمية.
وقد نجح، بفضل رؤيته الثاقبة واتصالاته الدولية الواسعة، في نقل صوت فلسطين إلى قلب القرار العالمي، حتى أصبح اسم الأردن حاضرًا في كل نقاشٍ عن وقف النار وفتح المعابر وتدفق المساعدات الإنسانية.
وصاية راسخة على القدس والمقدسات
إنّ الوصاية الهاشمية التي يتولاها جلالة الملك على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس ليست مجرد عنوانٍ سياسي، بل مسؤولية تاريخية ودينية وأخلاقية، حملها جلالته بكل ما تعنيه من واجبٍ ورسالة.
وقد وقف الأردن –بقيادته وشعبه– سدًا منيعًا أمام كل محاولات تهويد المدينة المقدسة أو المساس بهويتها العربية الإسلامية، مؤكدًا أن القدس ليست قضية حدود، بل قضية وجود.
الدبلوماسية الأردنية صوت الحقّ في العالم
حينما خيّم الصمت على كثيرين، كان صوت الملك عبد الله الثاني هو الأقوى في المحافل الدولية.
في الأمم المتحدة، وفي لقاءاته مع قادة العالم، وفي المؤتمرات الإقليمية، لم يتوانَ جلالته عن الدفاع عن الحق الفلسطيني بكلمة الحق، محذّرًا من خطورة استمرار العدوان ومن محاولات تصفية القضية.
لقد قدّم الأردن –بفضل قيادته الحكيمة– نموذجًا فريدًا للدولة التي تجمع بين الثبات على المبادئ، والانفتاح على الحوار، لتصوغ موقفًا سياسيًا متوازنًا نال احترام العالم.
العمل الإنساني والدعم الميداني
لم تقتصر الجهود الأردنية على المواقف السياسية، بل تجاوزتها إلى العمل الإنساني المباشر، حيث كانت الطائرات الأردنية محمّلة بالمساعدات الطبية والغذائية تحلّق فوق غزّة لتؤكد أن العطاء الهاشمي لا يعرف الحدود.
ومنذ بداية العدوان، وجّه جلالته الحكومة والقوات المسلحة لتكثيف الجسور الجوية والبرية لإغاثة أهل غزّة، فكان الأردن في الميدان كما هو في الموقف: ثابتًا، كريمًا، شجاعًا.
نظرة ثاقبة تُربك العدو
ليست الدبلوماسية في فكر جلالة الملك مجرّد كلمات أو بيانات، بل هي استراتيجية عميقة تجمع بين الحزم والإنسانية.
لقد أدرك جلالته أن المواجهة مع الكيان الصهيوني لا تكون بالسلاح فقط، بل بالعقل والحنكة والموقف.
ومن هنا، جاءت مواقفه الحازمة لتُرغم الصهاينة على التراجع، وتكشف للعالم زيف ادعاءاتهم، وتعيد تعريف مفهوم القوة الحقيقية بأنها قوة الحقّ لا السلاح.
وفي الختام عهد على العهد
سيبقى الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، الوتدَ الثابت في الدفاع عن فلسطين، وصوت العدل في عالمٍ يتقاذفه التحيّز والمصالح.
سيبقى الملك عبد الله القائد الذي جمع بين صرامة الموقف ودفء الإنسانية، بين الحكمة والجرأة، بين الإيمان بالفعل والإصرار على السلام العادل.
فغزّة اليوم لا تنسى من وقف معها، والقدس تعرف من حماها، والتاريخ يسجّل أن الأردن الهاشمي كان وما زال حصنًا منيعًا للعروبة، وملاذًا للكرامة، ورايةً لا تنكسر في وجه الباطل.