أثار الحديث مؤخرا حول بعض المظاهر الاجتماعية في المجتمع الأردني مثل الجاهات والأعراس وبيوت العزاء نقاشا واسعا بين المواطنين بين مؤيد وبين معارض لهذه المبادرة حيث ان الكثيرين رأوا فيها دعوة إلى ضبط التكاليف والعادات المرهقة بينما تساءل آخرون: هل هذا هو الوقت المناسب لمناقشة هذه القضايا في ظل ما يعيشه الناس من بطالة مؤرقة وعدم وجود وظائف وهمومٍ أمنية ومعيشية تتفاقم يوما بعد يوم؟
إن ما تم مناقشته في الحقيقة يمس جانبًا مهمًا من حياتنا اليومية فالعادات الاجتماعية رغم قيمتها الأصيلة تحوّلت في بعض الحالات إلى عبء ثقيل على الأسرة الاردنية تتباهى بالمظاهر أكثر مما تُعبر عن المودة والتكافل ومع ذلك لا يمكن أن تكون هذه القضايا هي أولوية مقارنة مع حفظ الأمن والنظام العام في وقتٍ تتزايد فيه التحديات الأمنية والاجتماعية التي تؤرق المواطن وتستنزف ثقته.
ان المجتمع الأردني يواجه اليوم ظواهر خطيرة تتطلب الحزم قبل الوعظ كظاهرة انتشار أصحاب السوابق والخاوات إلى الاعتداءات المتكررة التي تهدد السلم المجتمعي كونها تمس حياة الناس اليومية وتؤثر في إحساسهم بالامن ولأمان أكثر من أي مظاهر اجتماعية أخرى.
كما أن ملف الكلاب الضالة الذي تحول من قضية خدماتية إلى أزمة حقيقية فأصبح يفرض واقعا من الخوف على الأطفال وكبار السن .
إن معالجة هذه الظواهر تستحق أن تتصدر أولويات الحكومة لأن المجتمع لا يمكن أن يُصلح عاداته في ظل شعور بالضعف أو غياب الردع بالاضافة الى ان التهذيب في السلوك لا يمكن أن يُفرض قبل أن يستقيم ميزان العدالة.
أما الدعوة إلى عدم ترؤس الجاهات من قبل أصحاب المناصب السياسية العاملين على رأس أعمالهم فهي من حيث المبدأ خطوة متقدمة نحو ترسيخ فكرة الدولة المدنية الحديثة التي تفصل بين الموقع الرسمي والدور الاجتماعي فالمسؤول العام يجب أن يمثل الدولة لا العشيرة وأن يبقى على مسافة واحدة من الجميع لكن هذه الدعوة تحتاج إلى توازن في التطبيق لأن الجاهة في ثقافتنا ليست مجرد طقس اجتماعي بل رمزٌ للمصالحة والكرامة والصلح وهي مساحة من الاحترام الإنساني قبل أن تكون مظهرًا وجاهيًا.
إن المطلوب ليس أن نتخلى عن عاداتنا بل أن نُعيد إليها معناها الحقيقي، جاهة للإصلاح لا للفخر، وزواج يفرّح لا يُفلس، وعزاء يُواسي لا يُرهق.
والمطلوب إصلاح اجتماعي ممكنًا ومقبولًا لأن الناس ستقتدي بالفعل لا بالكلام فالقيم لا تزدهر إلا في ظل أمن وعدالة وهيبة قانون.
وختامًا يبدأ الإصلاح الحقيقي حين يتماسك المجتمع حول قيمه ويصبح احترام القانون سلوكًا راسخًا لدى الجميع عندها فقط يمكن أن نُصلح عاداتنا لا بقراراتٍ تُفرض، بل بوعيٍ ينضج ومسؤولية تُمارس.