تشكل تجربة الإعلامية الأردنية عالية علي إدريس محمود واحدة من النماذج المضيئة في مسيرة الإعلام الأردني والعربي، إذ جمعت بين الموهبة الفطرية والقدرة الأكاديمية، وبين الحضور الطاغي على الشاشة والعمل البحثي في الجامعة. ولدت إدريس في العاصمة عمّان بتاريخ 23 كانون اول من عام 1970، ونشأت في بيئةٍ أحبت الكلمة والصورة والتأثير في الناس، فاختارت الإعلام ليكون بوابةً للتعبير والمشاركة في تشكيل الوعي المجتمعي.
لم تكن خطواتها في الإعلام ارتجالية، بل تأسست على قاعدة علمية راسخة. درست الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك، وتخرجت عام 1992 حاصلةً على بكالوريوس في الاذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة وإلاعلان. وفي العام التالي تابعت دراستها لتحصل على دبلوم في الإدارة التربوية من الجامعة الأردنية، ما أتاح لها الجمع بين مهارات الإعلام والمعرفة التربوية.
واصلت إدريس مسيرتها العلمية فنالت ماجستيراً في دراسات المرأة عام 2005 من الجامعة الأردنية بتقدير ممتاز، وقد تناولت رسالتها قضايا نوعية بعنوان: "المضامين الجندرية في برامج الأسرة والمرأة في التلفزيون الأردني”. أما المحطة الأبرز فكانت حصولها عام 2011 على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع الإعلامي من الجامعة الأردنية، لتكون بذلك واحدة من الإعلاميات القلائل اللواتي جمعن بين العمل التلفزيوني والبحث الأكاديمي المتخصص.
بدأت عالية إدريس مسيرتها الإعلامية في التلفزيون الأردني مطلع التسعينيات، حيث لفتت الأنظار بقدرتها على التواصل العفوي مع الجمهور وحضورها المتميز أمام الكاميرا. وخلال سنواتها الأولى قدمت مجموعة من البرامج المنوعة التي لاقت صدى واسعاً، ومن أبرزها:
برنامج "تهاني وأغاني”: الذي كان نافذة للفرح والاحتفاء بالمناسبات الاجتماعية، يرافقه اختيار لأجمل الأغنيات العربية.
برنامج "أهلاً بكم”: برنامج ترحيبي منوّع يعكس صورة المجتمع الأردني، ويستقبل الضيوف من مختلف الميادين.
برنامج "يوم جديد”: الذي شكّل مساحة صباحية مليئة بالتفاؤل والمعلومات المنوعة بين الثقافة والصحة والفن والمجتمع.
برنامج "من ذاكرة التلفزيون”: وهو من أبرز البرامج التي قدّمتها في مراحل لاحقة، ويعيد استحضار مواد أرشيفية من التلفزيون الأردني لتسليط الضوء على محطات مضيئة في تاريخ الشاشة الوطنية، من إعداد وإخراج وليد بطايحة.
كما شاركت في تقديم برامج منوّعة وسهرات خاصة، جسدت من خلالها قدرة التلفزيون الأردني على إنتاج محتوى يجمع بين الأصالة والحداثة.
لم تتوقف تجربتها عند حدود الشاشة المحلية، بل امتدت إلى فضاءات عربية واسعة، حيث عملت في قنوات ART وقنوات ليبيا ودبي وعجمان، مقدمةً مجموعة من البرامج الثقافية والمنوعة التي عززت مكانتها كإعلامية عربية ذات حضور ومرونة في مختلف البيئات الإعلامية.
إلى جانب مسيرتها الإعلامية، شقت عالية إدريس طريقها الأكاديمي، فانتقلت من الأستوديو إلى قاعات الجامعة، حيث عملت أستاذاً مساعداً في كلية الإعلام بجامعة الزرقاء الأهلية. هناك أسهمت في تخريج جيل من طلبة الإعلام، ونقلت لهم خبراتها العملية، مؤكدةً على أهمية الدمج بين النظريات الأكاديمية والممارسة المهنية.
وإلى جانب التدريس، شاركت إدريس في العديد من المؤتمرات والورش التدريبية وقدمت أوراقاً بحثية متخصصة، كما ساهمت في إثراء المكتبة الإعلامية ببحوثها ومقالاتها التي تناولت قضايا الإعلام والمرأة والجندر.
لا تقتصر مسيرتها على الإعلام والتعليم، بل امتدت إلى العمل التطوعي والإنساني، حيث قامت بالتطوع في تدريس طلبة الإعلام في قطاع غزة عن بُعد، دعماً للجيل الصاعد هناك. وقد عُرف عنها حرصها على خدمة المجتمع، والالتزام برسالة الإعلام في التنوير والدفاع عن القيم الإنسانية.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود في الإعلام والعمل الأكاديمي، تحمل عالية إدريس في رصيدها أكثر من 30 برنامجاً تلفزيونياً بين محلي وعربي، فضلاً عن مشاركاتها الواسعة في ميادين الإعلام المرئي والمكتوب والتدريب. وقد ودّعها زملاؤها في جامعة الزرقاء بتكريم خاص، اعترافاً بعطائها وجهودها المخلصة في خدمة الإعلام والطلبة.
تمثل تجربة الإعلامية عالية إدريس حالة فريدة في المشهد الإعلامي الأردني والعربي، إذ استطاعت أن تجمع بين التألق على الشاشة والرصانة في البحث الأكاديمي، وبين الحضور الإنساني والمبادرات المجتمعية. هي نموذج للإعلامية المثقفة التي تؤمن بأن الكلمة والصورة ليستا مجرد وسيلة للترفيه، بل أداة للتأثير وبناء الوعي. وبذلك تظل سيرتها شاهداً على أن الإعلام رسالة، وأن المرأة العربية قادرة على أن تكون رائدة في كل ميدان تخوضه.