الفرح ليس حفلة صاخبة، ولا حضورًا يوميًا لأعراس الناس ومناسباتهم، وليس هو الرقص ولا الغناء. الفرح أعمق من كل ذلك، وأهدأ، وأصدق. نحن نمرّ يوميًا بضغوطات تتساقط علينا أحيانًا كالصاعقة: مواقف مباغتة، كلمات جارحة، أحداث لا نعرف من أين جاءت، أمن قريبٍ أم بعيد، من صديق أم من عدو… المهم أنها جاءت، وتركت أثرها في الروح. والحياة ليست سهلة مهما حاولنا تجميلها.
نعيش اليوم في زمن الرفاهية: سيارات فخمة، بيوت واسعة، وتكنولوجيا تُسهّل كل شيء… لكن كل ذلك لا يصنع الفرح الحقيقي، ما لم نصنعه نحن بأيدينا ووعينا وإرادتنا. فالفرح ليس قولا… الفرح ممارسة يومية، طريقة حياة، وقرار شجاع نتخذه كل صباح.
أما أنا، ومن تجربتي الشخصية التي علّمتني الكثير، فأصنع الفرح كما أصنع الطعام اللذيذ؛ أخلط مكوناته بحب، وأضيف عليه شيئًا من الصبر وشيئًا من البهجة، حتى يخرج بطعم خاص لا يشبه أحدًا. أصنع الفرح كما أعدّ "مونة البيت” من مقدوس وزيتون ومخلل وجبنة وغيرها… عملٌ متعب، لكنه ممتع، يمنحني إحساسًا بالإنجاز والرضا.
أصنع الفرح عندما أسقط من فكري الكراهية والحقد، وأضع مكانهما التسامح والعفو. أصنع الفرح حين أتخفف من التفاهات الاجتماعية التي تُقلق الناس وتُتعبهم؛ كلامٌ بلا طعم ولا رائحة، لا يزيد الحياة إلا ضجيجًا. حين أتجاوز ذلك كله… أشعر أن قلبي أخف وأنفاسي أهدأ.
وأصنع الفرح من لقاء الأصدقاء والصديقات على شاطئ بحر أو عند بركة ماء… حيث تصفو القلوب كسماء زرقاء لا غيمة فيها على قارب الحب والوفاء نضحك، نرقص، نتهامس، ونستعيد بساطة الحياة التي افتقدناها. وأصنع الفرح عندما أشتري ملابس جميلة، غالية كانت أو رخيصة؛ أو حتى من على بسطة البائعين ، لا تهمني الماركات بقدر ما يهمّني أن تشبهني، وتمنحني شعورًا بالسعادة والراحة.
هل عرفتم يا سادة كيف أصنع الفرح؟
أصنعه حين أعيش ببساطة… حين أسقط التفاهات من طريقي… حين أُبقي قلبي صافيًا ومتسامحًا… حين أختار أن أعيش لا أن أراقب، وأن أفرح لا أن أتظاهر بالفرح.
الفــرح قرار…
والقلب الذي يعرف كيف يسامح ويُحب هو القلب الذي يعرف كيف يفرح.
عِيشوا ببساطة، واتركوا ما يثقل أرواحكم… عندها فقط ستنعم قلوبكم بالفرح، ويهدأ داخلكم كما يهدأ البحر بعد موجٍ طويل.