كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة يورك البريطانية عن وجود علاقة مفاجئة بين فيروس شائع يصاب به معظم الأطفال وبين زيادة احتمالات الإصابة بسرطان المثانة خلال مرحلة البلوغ.
وبحسب الدراسة، فإن نحو 95% من البالغين يحملون فيروس الورم الحليمي البشري المتعدد الكيسات (BKPyV)، وهو فيروس يصيب الإنسان عادة في مرحلة مبكرة من العمر ثم يبقى كامناً في أنسجة الكلى طوال الحياة دون أن يُحدث أعراضاً ملحوظة.
تنشيط الفيروس يؤدي لضرر في الحمض النووي لخلايا المثانة
ووفقاً لتفاصيل الدراسة التي نقلها موقع StudyFinds، فإن الخطر الحقيقي يكمن في إعادة تنشيط هذا الفيروس الكامن بعد سنوات طويلة. وعند حدوث ذلك، تتسرب جزيئات الفيروس إلى البول، ما يدفع خلايا المثانة لإطلاق إنذار مناعـي عبر إنتاج الإنترفيرونات.
وتنشّط هذه العملية إنزيمات مناعية تُعرف باسم APOBEC3A وAPOBEC3B، وهي متخصصة في تشويه الحمض النووي للفيروس لمنع تكاثره، إلا أن محدودية دقتها تجعلها تُلحق الضرر بخلايا المثانة السليمة المجاورة.
ويُسمي الباحثون هذا التأثير بـ "التحول الطفري"، حيث تتراكم الطفرات المسببة للسرطان في الخلايا السليمة بينما يتم التخلص من الخلايا المصابة نفسها، وهو ما يفسر وجود أنماط تلف فيروسية في أورام المثانة دون وجود الفيروس ذاته داخل خلايا الورم.
تجارب مخبرية تكشف آلية تطور الطفرات
وأجرى العلماء في جامعة يورك تجارب باستخدام مزارع من أنسجة المثانة البشرية ونماذج شبيهة بالأعضاء، حيث رصدوا كيفية طرد الخلايا المصابة عبر سطح المثانة في عملية تُعرف باسم البثق القمي.
وللتأكد من دقة النتائج، استخدم الفريق تقنية متطورة لقراءة الحمض النووي تُميز بين الآفات المؤقتة والطفرات الدائمة، ما منحهم رؤية واضحة لآثار الفيروس على الخلايا السليمة.
وتشير الدراسة إلى أن نسبة كبيرة من طفرات سرطان المثانة تحمل بصمات هذه الآلية المناعية المدمّرة، على الرغم من غياب الفيروس فعليًا في معظم الأورام.
هل يمكن الوقاية من سرطان المثانة مستقبلًا؟
يرى فريق البحث أن النتائج تفتح الباب أمام إمكانية الوقاية من جزء كبير من سرطانات المثانة مستقبلاً، وذلك عبر تطوير لقاحات أو مضادات فيروسية تستهدف فيروس BKPyV.
ورغم عدم توفر أي علاجات أو لقاحات حتى الآن، يعتقد العلماء أن التدخل المبكر قد يحد من تراكم الطفرات المسببة للسرطان.
أهمية الفحص المبكر
وتلفت الدراسة إلى أن الفيروس يظهر في البول قبل سنوات طويلة من ظهور أي أعراض سرطانية، ما يجعل اختبار إعادة تنشيط الفيروس أداة محتملة لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للخطر.
وبينما لا تزال هذه الأفكار بحاجة لمزيد من البحث، يرى العلماء أن الفهم الجديد للدور الخفي لهذا الفيروس قد يغير الطريقة التي يتم بها تشخيص سرطان المثانة والوقاية منه مستقبلاً.