يترقب الشارع السوري بكثير من الأمل والحذر حدوث انفراجة معيشية واقتصادية شاملة، عقب تصويت الكونغرس الأميركي لصالح إلغاء "قانون قيصر" الذي فرض طوقا من العقوبات القاسية منذ عام 2019، في خطوة ينظر إليها على أنها بداية النهاية لسنوات من العزلة الدولية، ومفتاح رئيس لإطلاق عجلة إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الأجنبية التي طال انتظارها لاستعادة الثقة بالاقتصاد المحلي.
تحرك رسمي وحوافز إنتاجية
وفي أول ردود الأفعال الرسمية، وصف حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، في تصريح لوكالة "سانا"، هذا التحول بأنه "محطة مفصلية" على طريق التعافي، مؤكدا انعكاسه الإيجابي على الاستقرار النقدي، ومشددا على عزم المركزي اتخاذ كافة الإجراءات لاستثمار الفرصة. وبالتوازي مع ذلك، كشف وزير المالية محمد يسر برنية، السبت ، عن دخول النظام الضريبي الجديد -المنجز منذ سبتمبر الماضي- حيز التنفيذ، موضحا أنه يتضمن حزمة إعفاءات وحوافز تهدف إلى تمكين المنشآت الصناعية من إعادة التشغيل والتوسع لخلق فرص عمل جديدة.
واقع مثقل بالدمار
ويأتي هذا التغير السياسي في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري من تدمير ممنهج طال البنية التحتية خلال 14 عاما من الحرب، حيث هوى الدخل القومي من 60 مليار دولار عام 2011 إلى ما دون 12 مليار دولار في عام 2023، وسط أزمة سيولة حادة وتراجع في كفاءة القطاع المصرفي وأنظمته التشغيلية.
وفي هذا السياق، يرى الباحث أدهم قضيماتي أن البلاد بحاجة لعملية "إعادة بناء" شاملة، خاصة في القطاع المصرفي الذي باتت بنيته "مهترئة" بفعل العزلة، مستبعدا أن يكون الانفتاح أسرع من قدرة المؤسسات على استيعابه، نظرا لحاجة الشركات العالمية لقنوات رسمية وقوانين نافذة بدلا من السوق السوداء.
تحديات ما بعد العقوبات
ورغم التفاؤل، يحذر خبراء، ومنهم الباحث في كلية لندن للاقتصاد زكي محشي، من أن رفع العقوبات لن يعني "تعافيا تلقائيا"؛ إذ سيكشف عن تحديات هيكلية عميقة، أبرزها ضرورة الامتثال للمعايير الدولية في مكافحة تبييض الأموال، وصعوبة العودة لنظام "سويفت" دون إصلاحات جذرية.
كما نبه محشي إلى مخاطر تتعلق بطبيعة الاستثمارات المتوقعة التي قد تتركز في القطاعات الريعية كالنفط والعقارات على حساب الإنتاج، محذرا أيضا من أن الانفتاح المفاجئ قد يغرق السوق بالسلع الاستهلاكية، مما يهدد المنتج المحلي غير القادر على المنافسة، ويستنزف مدخرات المواطنين، فضلا عن الضغط المتوقع على الميزان التجاري.
خارطة طريق للنجاة
وللخروج من هذا النفق، يوصي الخبراء بضرورة تنمية رأس المال البشري، وتحديث التشريعات بالتعاون مع مؤسسات دولية، وتعزيز الشفافية لمنع إعادة إنتاج "رأسمالية المحاسيب".
كما يدعون إلى توجيه الاستثمارات نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب الاقتصاد، والتركيز على القطاعات الأكثر مرونة كالكهرباء لتحقيق تعاف أسرع، وسط توقعات بموجات اضطراب في الأسعار قد تمتد لخمس سنوات خلال المرحلة الانتقالية نحو اقتصاد حر ومنظم.