أعلنت هيئة المنافسة الإيطالية، اليوم الاثنين، تغريم شركة آبل بأكثر من 115.69 مليون دولار (98.6 مليون يورو) بتهمة إساءة استخدام وضعها المهيمن في السوق، فيما أكدت الشركة الأميركية أنها تعتزم استئناف القرار. وأوضحت الهيئة، في بيان، أنّ آبل انتهكت قانون المنافسة في سوق مبتكري التطبيقات. وأضافت أن آبل تتمتع بموقع هيمنة مطلقة في هذه السوق من خلال متجر تطبيقاتها، بحسب ما ذكرت وكالة فرانس برس، وأشارت إلى أنّ آبل فرضت أيضا شروطا صارمة في ما يتعلق بحماية خصوصية المستخدمين في سياق المنافسة. وخلصت الهيئة إلى أنّ هذه الشروط التي فرضتها آبل من جانب واحد، وتضر بمصالح شركائها التجاريين، وهي غير متناسبة مع هدف حماية الخصوصية.
في المقابل، عبّرت أبل في بيان عن معارضتها الشديدة لقرار هيئة المنافسة الإيطالية، وأعلنت عزمها على استئناف القرار. وتؤكد الشركة أن قواعد حماية الخصوصية تُطبق بالتساوي على مختلف المطورين، بما في ذلك آبل، وقد اعتمدها زبائننا، ونالت استحسان المدافعين عن الخصوصية وهيئات حماية البيانات في كل أنحاء العالم. يأتي هذا القرار في سياق تصعيد أوروبي متواصل ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، في إطار سعي الاتحاد الأوروبي إلى كبح ما يعتبره ممارسات احتكارية تعيق المنافسة والابتكار في الاقتصاد الرقمي. وخلال السنوات الأخيرة، تحوّلت متاجر التطبيقات إلى محور أساسي في هذا الجدل، نظرًا لدورها الحاسم في توزيع البرمجيات والتحكم بإيرادات المطورين، وشروط دخولهم إلى السوق. اقتصاديًا، تُعد متاجر التطبيقات من أكثر الأنشطة ربحية في منظومة شركات التكنولوجيا العملاقة، إذ تعتمد على نموذج عمولات قد تصل إلى 30% من قيمة الاشتراكات والمشتريات داخل التطبيقات. ومع تباطؤ النمو العالمي وتراجع زخم الإعلانات الرقمية، باتت عوائد الخدمات، وفي مقدمتها متاجر التطبيقات، ركيزة أساسية في نماذج أعمال هذه الشركات، ما يفسر حدة الصراع القانوني والتنظيمي حول هذا القطاع. وترى سلطات المنافسة الأوروبية أن هذا النموذج، حين يقترن بالتحكم الكامل في شروط الوصول إلى السوق وبقواعد تقنية تُفرض بشكل أحادي، يمنح الشركات المهيمنة قدرة غير متكافئة على تفضيل خدماتها الخاصة أو تعزيز موقعها التنافسي على حساب مطورين أصغر، ما يحدّ من الابتكار ويقلّص الخيارات المتاحة أمام المستهلكين على المدى الطويل.
الخصوصية أداة تنافسية
يمثل ملف الخصوصية أحد أكثر جوانب النزاع حساسية. ففي حين تروّج آبل لسياساتها باعتبارها جزءًا من التزامها بحماية بيانات المستخدمين، ترى الجهات التنظيمية الأوروبية أن تحويل الخصوصية إلى أداة تنظيمية بيد شركة مهيمنة قد يؤدي عمليًا إلى خلق حواجز دخول غير مرئية أمام المنافسين، خصوصًا المطورين المستقلين الذين يعتمدون على بيانات الاستخدام لتحسين منتجاتهم وتسويقها. ويعكس هذا الجدل تحوّلًا أعمق في الرؤية الاقتصادية الأوروبية، حيث لم تعد حماية المستهلك تُقاس فقط بسلامة البيانات، بل أيضًا بمدى استدامة المنافسة وتنوّع الفاعلين في السوق الرقمية.
تقاطع مع التشريعات الأوروبية الجديدة
يتقاطع القرار الإيطالي مع تطبيق قانون الأسواق الرقمية، الذي يفرض التزامات صارمة على ما يُعرف بـ"حراس البوابة" الرقميين، ومن بينهم آبل، بهدف فتح الأسواق أمام مزيد من المنافسة. وتشمل هذه الالتزامات الحدّ من تفضيل الخدمات الذاتية، وتخفيف القيود على أنظمة الدفع البديلة، ومنح المطورين هامشًا أوسع للوصول إلى المستخدمين. من الناحية الاقتصادية، يُنظر إلى هذه التشريعات باعتبارها محاولة أوروبية لإعادة توزيع جزء من القيمة المضافة في الاقتصاد الرقمي من المنصات الكبرى إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الابتكار في بيئة تعاني من تركز متزايد للقوة السوقية.
ويعكس تغريم آبل في إيطاليا توجّهًا أوروبيًا متصاعدًا لإعادة رسم حدود القوة السوقية لشركات التكنولوجيا العملاقة، وفرض توازن أدق بين حماية الخصوصية وضمان عدالة المنافسة. ومع لجوء آبل إلى الاستئناف، يبقى الملف مفتوحًا على مواجهة قانونية قد تمتد آثارها إلى مجمل الاقتصاد الرقمي الأوروبي، وتعيد طرح سؤال جوهري حول ما إذا كانت الخصوصية ستظل حقًا محميًا للمستهلك، أم تتحوّل، في بعض الحالات، إلى أداة نفوذ احتكاري في أسواق المستقبل الرقمية.