زرت بلاداً عربية كثيرة، وتعرفت إلى أناس كثر، لكنني لم أجد شبيهاً للأردني في كل شئ، وما أن تلامس روحك أول نسمة هواء أردنية في مطار الملكة علياء، تغوص هذه النسمة بسلاسة إلى الرئتين فوراً، فتحس كأنك تستنشق عبق الرجولة والصبر وشدة الاحتمال والأصالة، ولا أعرف من الذي طبع الآخر بهذه الصفات، أهو الأردني الذي أورثها لبلاده، أم أن صحارى الاردن الممتدة طولا وعرضا تركت صفاتها على هذا الإنسان النادر، حتى الصحراء هناك لا اجد لها مثيلا في العالم رغم أنني ابن الصحراء..
لا اعرف صحراءً تستجيب لأوامر أهلها كما في الأردن، فحين يومئ الأردني بيديه الخشنتين نحوها تنبت زرعاً وورداً، فهما واحد يتكلم لغة واحدة لا يعرفها غيرهم، هي بلاد باركها الله في عليائه، فأنبتت إنساناً صقلته حتى استحال تقليده، فالأردني لا يجارى في كرمه وقد حاولت ذلك وفشلت في تجربتي هنا في أبو ظبي مع شباب من الكرك والرمثا ومعان والطفيلة، ووجدت إنساناً إذا أحبك قدم روحه لك، إنسان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتجرأ عليه أحد فيستحيل بركانا هادرا إذا تعلق الأمر بالكرامة..
وبما أنني من المتابعين والباحثين لشؤون التنمية العربية بما في ذلك الأردن، عرفت أن وطناً كهذا، وإنساناً كهذا، لا يمكن لهما استجداء أحد رغم كل الظروف،
نحن في دول الخليج، - وأقولها بصراحة شديدة - بحاجة ماسة للأردن، فعدا عن الاحتراف الذي يتميز به الأردني في عمله، وجديته في حياته، فهو يحمل قلباً عربياً محضاً يتسع لكل العرب، والأردني هو الوحيد الذي إذا فكر وخطط، فكر وخطط لصالح غيره من العرب قبل نفسه، وإنسان كهذا جدير بالاحترام والتوقير.
ان الأردن هو السد المنيع الذي يحمي دول الخليج كلها دون أن يحرك جندياً واحداً، فهو العمق الاستراتيجي لنا، وهو الذي يتميز جيشه بالانضباط الشديد والقدرة على الحركة في أي اتجاه بسرعة مذهلة، أضف إلى ذلك صفات الجندي الأردني التي ورثها كابراً عن كابر من كرام القبائل العربية المحاربة التي ينتسب إليها.
فإلى كل قادة دولنا في الخليج، الأردن وطن صابر جدا، والأردنيون هم درع العرب ورأس حربتهم إذا جد الجد، وكلنا سنحتمي بهم إذا ما التفت الساق بالساق، ولا يجوز لنا أن ننتظر الأردن لكي يطلب منا شيئاً هو أحق منا فيه، فهو وطن لكل العرب، ولكل الباحثين عن السلام والسكينة والهدوء في هذا الإقليم الذي مزقته الصراعات.