سأكتب اليوم عن وصفي التل.. فذكرى استشهاده تطل علينا الخميس
أنا لا أجيد النحيب، ولا البكاء، ولن أفرد غصة اعترت القلب عبر مقال في الصحيفة.. وصفي ليس كذلك أبداً، سأخبركم من هو وصفي التل:
في التاريخ العربي، ثمة قصة عن جمل غادر الشام، إلى الحجاز ضمن قافلة تضم أجود أنواع البضائع.. وكانت حمولته ثقيلة جداً، وسار في القافلة، ولم يعرف التجار وقتها، أن أحدهم قد نسي مخرزاً أسفل الحمولة تحت ظهر الجمل، وكلما تحرك هذا الجمل أو أناخ في عرض الصحراء.. انغرز المخرز في ظهره، وزاد النزف.. الجمل لم يشكُ، والقافلة لم تعرف بوجعه
حين وصلت القافلة الحجاز، وأنزلت الحمولة، من رافقوها قاموا باللطم حين شاهدوا هول النزف، على ظهر الجمل.. واستغربوا، كيف تحمل كل هذا النزف وكل هذه الصحارى وفي النهاية أوصل الحمولة
عبدالرزاق عبدالواحد، له قصيدة يصف المشهد ويقول في مطلعها:
قالوا وظل ولم تشعر به الإبل
يمشي، وحاديه يحدو وهو يحتمل
ومخرز الموت في جنبيه ينشتل
حتى أناخ بباب الدار إذ وصلوا
وعندما أبصروا فيض الدما جفلوا
وصفي التل، هو الجمل وهو سيد القافلة... وكانت حمولته: الهوية، الحلم، الكرامة، والوطن، فلسطين، البندقية... وهل يوجد أثقل من هذه الحمولة؟.. مشى بها من حوران.. ومر على فلسطين والشام والقاهرة، وهو لم ينزف في استشهاده فقط.. بل بدأ النزف منذ أن قال له عرار: (ودرب الحر يا وصفي كدربك غير مأمون)
وميزة وصفي أنه اختلف عن كل الشهداء، بأن الدم القاني لم يسفح على تراب القاهرة حين استشهد، بل طار وسرى في عروقنا... دمك كان أكبر من الأرض يا وصفي، أي رجل هذا الذي حملت الأرض الرواسي والبراكين.. وعجزت أن تحمل دمه لثقل الكرامة فيه
صرنا مثلك يا (أبا مصطفى) جميعنا مثلك
كل يوم أصحو من منامي، وعلى كتفي حمولة ثقيلة جداً: وطن وهوية وحزن وكرامة.. وأمل
ومخرز لا أدري من وضعه، على جانبي.. ما تحركت يميناً أو شمالاً إلا وانشتل في احشائي... وأنشد دون خجل ولا تعب: (قالوا وظل، ولم تشعر به الإبل، وحاديه يحدو وهو يحتمل، ومخرز الموت في جنبيه ينشتل....)