بمناسبة إحياء ذكرى استشهاد وصفي التل، التي تصادف يوم 28/11 من كل عام، يكثر الحديث عن الشهيد، الذي تحول إلى أيقونة أردنية يستذكرها الأردنيون كلما حزب بهم أمراً. ومع ذلك فإنني أقول اليوم أن معظم الذين يتغنون بوصفي التل، ويزعمون القرب منه، ويدعون إلى السير على نهجه لا يعرفون الشهيد بل إن بعضهم يسيىء له في الكثير من الأحيان، وهذا رأي مبني على معرفة حقيقية بوصفي التل، وفهم لتراثه الفكري ومسيرته العملية، ومصاحبة لهما لأكثر من أربعة عقود، فنحن في دار اللواء للصحافة والنشر وحدنا من شكّلنا مبكراً خلية عمل انكبت على جمع تراث وصفي التل وتوثيقه وطباعته في كتاب ضخم، اخترنا له اسم "كتابات في القضايا العربية" وهو مشروع كبير موله بالكامل والدي المرحوم بإذن الله حسن التل، وعندي أنه لولا هذا الجهد التوثيقي لضاع جزء كبير من تراث الشهيد، ولما وصل إلى الناس، فقد شكل كتاب "كتابات في القضايا العربية" الأرضية الخصبة، والأساس المتين لمعظم ما كتب عن وصفي فيما بعد، بل إنني أستطيع القول بأن بعض الذين بنوا أمجادهم الشخصية على الكتابة عن وصفي سرقوا أجزاءً من "كتابات في القضايا العربية" ونسبوها لأنفسهم، أكثر من ذلك فإن وزارة الثقافة عندما أعادت طباعة كتاب "كتابات في القضايا العربية" بإذن خطي من ورثة حسن التل، لم تشر من قريب أو بعيد إلى أن هذا الكتاب هو في الأصل من منشورات دار اللواء للصحافة والنشر، ولم تشر من قريب أو بعيد إلى الجهد التوثيقي الذي بذلناه لجمع إرث الشهيد وتوثيقه.
لا تستند معرفتي بوصفي التل على العمل التوثيقي الذي قمنا به، والذي كان من نتاجه "كتابات في القضايا العربية" بل لقد كُنت وراء عقد وتنظيم أول وأهم ندوة فكرية على مستوى الوطن لدراسة وتحليل فكر وصفي التل، عندما نظمنا في المركز الأردني للدراسات والمعلومات ندوة وصفي التل فكره ومواقفه، والتي عقدت عام 1995 وناقشت مجموعة كبيرة من أوراق العمل التي قدمها عدد من خيرة الباحثين الأردنيين، بالإضافة إلى مجموعة من الشهادات التي أدلى بها عدد من أقرب أصدقاء الشهيد إليه أومن الذين عملوا معه، مما ألقى المزيد من الأضواء على فكر الرجل ومواقفه ومشروعه، وقد صدرت أعمال هذه الندوة في كتاب "وصفي التل فكره ومواقفه" وهو الأمر الذي كررناه عام 2011 عندما عقدنا ندوة فكرية كبرى حول مسيرة الرجل وفكره صدرت أعمالها في كتاب حمل عنوان "وصفي التل قراءات في فكره وتجاربه" .
هذا التعامل الفكري التوثيقي والتحليلي مع إرث وتراث الشهيد وصفي التل والممتد لحوالي أربعة عقود، هو الذي يجعلني أقول أن معظم الذين يتغنون بالرجل ويزعمون القرب منه ويدعون إلى السير على نهجه لا يعرفونه، بل لعل بعضهم يسيىء له عندما ينسب إليه مواقف وآراء تتناقض مع كل تاريخ الرجل وفكره، مما يجعلني أوجه الدعوة إلى ضرورة إعادة اكتشاف الرجل وقراءته قراءة متأنية من خلال العودة إلى إنتاجه الفكري ومراجعة مسيرته العملية، لنحولهما إلى خطة عمل وطنية يلتف حولها محبي وصفي، ليحققوا مشروعه في بناء مجتمع قرطاج .. مجتمع التحرير... الذي يأكل مما يزرع، ويلبس مما يصنع، معتمداً على ذاته وبخلاف ذلك يظل ما نكتبه عن الرجل أو نقوله بعيداً جداً عن الوفاء له.