انه السعن .. حيث اللبن والزبدة .. طعامنا من أيادي الأمهات الطاهره ،النقيه،التقيه.
تعود بي الذاكرة لأكثر من أربعة عقود ،طفلا منتظرا على جوع ما يجود به سعن أمي من خيرات،لا اجمل ولا أشهى.
لا احد يعرف رنة الموسيقى الآتية من جوف السعن في حركة الخض التي لم تملها أمي رحمها الله لأكثر من نيف وثلاثين سنه.
كان السعن،هو ذات السعن،والام هي ذات الام ،وأغاني إلسعن هي ذاتها ،بانتظار انفصال الزبده عن اللبن ،متعة لا تعادلها متعة وهي تسكب بصوت شخيب اللبن في طاسة التوج ،لا موسيقى تعادل ذات الموسيقى.
تبهرني حركة الاصابع وهي تجمع شتات الزبدة الطائشة على ميناء اللبن اللذيذ،حركة الاصابع الخفيفة وهي تجني ثمر ساعتان من الخض.
موسيقى الخض التراتبيه،حين يصطدم اللبن بجلد السعن،ثم العودة تارة اخرى ؛تش تش تش تش تش ،موسيقى ولا اجمل .
آه ..يا سعن أمي الذي خرج ولن يعود ،يا دفء الكون وجماله،يا حنان الصوت ،يا لمسة الزبدة الطائشة على وجه اللبن البكر،مثل ثلج كانون،يا فرحتنا واخواتي الصغيرات ؛نوال،دلال،وطفه،عائده ونحن ننتظر وليمة الافطار بأبهى صورها،حيث خبز أمي من شراك قمح التلعه حيث زرعها ابي وحصدناها وانتجنا منها قمحنا .
كم اشتاق الى قمح تلعتنا ..وسعن امي .
كم اشتاق الى مطبخ الطين وغرفتين تفتحان الى الشرق.
كم اشتاق الى شجرة الفيجل التي زرعتها جدتي واعتنت بها طويلا .
كم اشتاق الى بيت الشعر يرخى جدائله في روض التلعه.
كم اشتاق الى ماتور جلال والى مياه نحضرها أنا وأختي عائدة من هناك.
كما اشتاق الى محمد العواد وسيارة الستاوت الزرقاء حين نقلنا بها القش للبيدر قرب مزرعة الدجاج،قبالة بيت محمد عبدالله المكازي .
كم اشتاق لكلمات موسى الغصب الساخرة من الواقع ،ولتعليلة خلف العايد ،ولسميرة توفيق على تلفزيون سليمان وقبلان .