في مقالي السابق "دهشة الجائزة” وعدت بأن أكتب المزيد عن معاني وأبعاد جائزة الملكة رانيا للتميز التربوي، بعد أن يتم الإعلان عن الفائزين بجائزة المدير المتميز والمعلم المتميز، وهو ما تم بالفعل يوم الثلاثاء الماضي، في احتفال كبير تم خلاله كذلك تكريم مديرية تربية الأغوار الجنوبية لأنها حققت أعلى مستوى متطور في نسبة المدارس المشاركة في جوائز التميز التربوي، ومديرية دير علا التي ساهمت في نشر ثقافة التميز بحصولها على نسبة من المتقدمين المؤهلين في المديرية لجوائز التميز، ومديرية لواء ماركا التي حققت أكبر عدد من المتقدمين الذين تأهلوا لمرحلة التقييم الميداني في جوائز التميز لهذا العام.
كيف يمكن تفسير المعنى الحقيقي لتقدم تلك المديريات على غيرها، في التجاوب والتفاعل مع مراحل وشروط ومعايير ومهارات التقدم للجائزة والحصول عليها؟ ليس لدي الآن تفسير موضوعي، لكن دير علا ذات التربة الخصبة، والتي يقال أن اسمها اشتق من الكلمة الآرامية "علالا” بمعنى الغلال والمحاصيل، ربما ينسجم مع فكرة الجائزة التي تعمل على غرس ثقافة التميز من أجل النهوض بالتعليم العام في المدارس الحكومية، تخطيطا وتنفيذا وتقييما وتأصيلا لمكانة المعلم ودوره الريادي في بناء فكر الاجيال، مثلما قال وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي في كلمته بهذه المناسبة.
قلت في مقالي السابق إن المستوى الذي لمسته من خلال عضويتي لإحدى لجان التقييم في المرحلة النهائية أدهشني وأنا أكتشف المرتبة العالية من التأهيل الذي حصل عليه المترشحون للجائزة، ومعظمهم من المعلمات، ولكن النتائج التي أعلنت في حفل الجائزة، تدفعني إلى الاعتقاد بأهمية دراسة المناخ الذي أوجدته الجائزة، وبعض المؤشرات الدالة على الروح المتمثلة في الجدية والالتزام والسعي للتعلم التي أظهرها آلاف المترشحين منذ إنشاء الجائزة العام 2005!
ذلك هو الجانب الأجمل من الصورة المضيئة التي أغفلنا النظر إليها طويلا، ونحن نرضخ لممارسات التشويه لنظامنا التعليمي العام والعالي، وتجريد المدارس الحكومية من فضائلها وانكار دورها في تربية وتعليم الأجيال منذ تأسيس الدولة إلى يومنا هذا، غير مهتمين بما يصدر عن منظمات عربية ودولية متخصصة، تضع التعليم في الأردن في أعلى مراتب التقييم الايجابي، ويكفي أن أشير هنا إلى تقارير منظمة اليونسكو العالمية التي يحتل فيها الأردن مركزا متقدما في مجالات القراءة والكتابة وتطور المناهج وأساليب التدريس على المستوى الدولي!
لا شك أن فكرة وفلسفة الجائزة تصب في هذا الاتجاه، ولكن الأهم بالنسبة لنا هو إعادة الاعتبار للتعليم العام الحكومي والأهلي، من خلال إستراتيجية جديدة، تقرأ الواقع مجردا من الانطباعات والاجتهادات الشخصية، وترسم ملامح المرحلة المقبلة وأولوياتها، على ضوء المنارات المتناثرة هنا وهناك، ولو كنت صاحب القرار لجعلت ديرعلا مقرا لمجموعة العمل الخاصة بالإستراتيجية الجديدة، تعمل من هناك خلال أشهر الصيف حتى تنجزها في أسرع وقت!