بغض النظر عن نتيجة تصويت الشيوخ، والتي كانت متوقعة، فإنها تعطي انطباعا بأن ثمة صراع يجري بين حزبين، وبغض النظر عن كون قضية إتهام الرئيس الأمريكي برمتها بدأت ديمقراطية الملامح والممارسة، إلا أنها في نتائجها تؤشر أو تضع علامات استفهام فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية التي تمارسها الإدارة الأمريكية، حيث ظهر مشهد التصويت وكأنه سباق بين طرفين فيه يحاول كل منهما إثبات قوته وهيمنته وفرض رأيه، حتى بات وكأنه معركة للحسم وكسر العظم، وباتت قضية العزل قضية خاسرة للديمقراطيين بحسب رأي زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وسلوك مشين للديمقراطيين على حد قول المتحدثة باسم البيت الأبيض.
الحالة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي كانت واضحة بشكل جلي، وعكستها بعض التراشقات في الكلام، وبعض المواقف المتوترة غير نتيجة التصويت على إدانة أو براءة الرئيس، فخلال خطاب حال الاتحاد الذي القاه الرئيس قبل التصويت تجاهل ترامب مصافحة رئيسة مجلس النواب، وهي بدورها قامت بتمزيق خطابه واصفة ما تضمنه بأنه كذب، كما أن التصفيق الحاد للرئيس من جانب الجمهوريين كان واضحا يقابله فتور وعدم تصفيق من جانب الديمقراطيين.
أن يصوّت كل الجمهوريين باستثناء سيناتور واحد ضد ادانة الرئيس، وكل الديمقراطيين لمصلحة إدانته يعني بأبسط الأبجديات أن العملية لم ينظر اليها بعمق في إطار المصالح العليا، وأن المبادئ كانت في جزء كبير منها مغيبة، وأن ثمة شيء سلبي يلوح في الافق، يشبه غيمة ضبابية تلف الممارسة الديمقراطية والنزاهة، وتشكل غشاوة تحجب الحقيقة عن الأعين، خاصة وأن التبرئة تمت بحسب زعيم الأغلبية الديمقراطية من دون وقائع، ومن دون محاكمة نزيهة.
التهم الموجهة للرئيس بحسب الكثير من المحللين لم تكن ترقى إلى حد إدانة الرئيس لدرجة عزله، ولو كانت كذلك فإن أغلب رؤساء العالم، وخاصة العرب منهم كان من المفترض أن يتم عزلهم بتهم إساءة استغلال السلطة لدرجة الزج بهم في السجون، وفي كل الأحوال فإن نتيجة التصويت مهما كانت فقد ألحقت بالرئيس وصمة (العزل) بحسب رئيسة مجلس النواب، وقياسا على ذلك فإن ممارسات كثير من زعماء العالم، والمنطقة على وجه الخصوص تشكل وصمة (الخزي والعار).
في النتيجة الرئيس غير مدان بحسب مجلس الشيوخ، لكن هل ستثبت الانتخابات الرئاسية القادمة صحة ما ذهب اليه الشيوخ، أم سيكون للناخبين رأي مختلف، وهل سيصب ما جرى في مصلحة الرئيس، وسنرى إلى أي حد ما اذا كانت نتيجة المحاكمة ستؤثر على قاعدته الانتخابية، وهل سيبقى ترامب للأبد، حينها سيدرك البعض من العرب مدى صدق اتجاهاتنا ومعتقداتنا ودقة حساباتنا نحو سياساته وأفعاله، وإلى أي حد هي مقبولة لدى المجتمع الأمريكي وقابلة للتصديق والتنفيذ،،، وإن غدا لناظره قريب.