يدخل الأول من شهر أذار ليحمل معه عطر الذكريات والأمجاد الزاخر برائحة وعبق الرجولة التي صنعها أغلى الرجال الذي رحل عنا جسدا وروحه ساكنة في سماء الوطن ، إنه ملك استهوى حبه قلوب الأردنيين في شتى أرجاء الوطن.
الحسين بن طلال باني الأردن الحديث والذي سطر بقرار تاريخي اتخذه عام 1956 ينهي به الهيمنة الأجنبية على قيادة الجيش العربي المصطفوي ، ليخاطب الحسين بصوته الذي لم نعهده إلا مجلجلا في سماء السيادة والكرامة والحرية ضباط وأفراد الجيش العربي قائلا " أيها الضباط والجنود البواسل أحييكم أينما كنتم وحيثما وجدتم ضباطا وحرسا وجنودا وبعد ، فقد رأينا نفعا لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا أن نجري بعضا من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش فنفذناها متكلين على الله العلي القدير ومتوخين مصلحة أمتنا وإعلاء كلمتها وإنني آمل فيكم كما هو عهدي بكم النظام والطاعة."
قرار التعريب وطرد يد الغريب عن هذا الوطن العزيز الشامخ لم يكن قرار تاريخا فحسب بل هو التاريخ ذاته الذي كتبته يد الحسين بن طلال، تاريخ يروي لنا صفحات من مجد وعزة وكبرياء ، وليكون جيشنا الباسل كما أراد له القائد جيش مدافعا عن العروبة ومناصراً للأشقاء العرب ، جيش تشهد له ساحات الوغى بالشرف والتضحية والبطولة والإقدام ففي الجولان المحتل له روايه وفي اللطرون والقدس وباب الواد له حكايات وحكايات وحكايات يرويها الأجداد للأحفاد لتبقى لجيشنا وسام شموخ يعلق على صدر الوطن والأمة في الدفاع عن الأرض العربية.
هذا القرار القرار لم يتوقف عند عزل كلوب باشا من الخدمة وحسب بل لقي ردود أفعال عربية وعالمية ، سأعقب على البعض منها حيث كتبت جريدة الشعب الصينية بأنه "نصر جديد للأردنيين ضد ميثاق بغداد" ، أما من جانب آخر قال الرئيس الأمريكي آيزنهاور لجلالة الملك رحمه الله: "إنك بطل والبطولة ليست ملك شعبك بل هي للعالم."
وعلى المستوى العربي كانت أصداء هذا القرار مشجعة ومؤيدة للقائد الشجاع حيث كتبت جريدة الجمهورية المصرية مقالا تحت عنوان "سلمت يداك يا حسين"عنوان بهذا الحماس والإندافع فيه كل معاني الفرح والإبتهاج بقرار عظيم اتخذه قائد شجاع في زمن ومرحلة من أصعب المراحل التي مر بها الوطن وهو القرار الذي كان من تبعاته تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس وتخليصها من اليد الفرنسية.
فقرار التعريب لقيادة الجيش العربي لم يأتِ من فراغ بل قرار سيادي أردني وعربي يروي للأجيال قصة وطن وشجاعة قائد أيقظ الامل والإرادة واستنهض الهمم في نفوس شباب الوطن والأمة ،وليبقى جيشنا المصطفوي الباسل الملاذ الآمن والحضن الحنون الدافئ لكل من اشتدت في وجوههم الخطوب وذاقوا ويلات الحروب.