يقول أحد الكتاب والمفكرين السياسيين الأردنيين الأخ والصديق د. جمال الشلبي في مقالة حديثة له في جريدة الغد "أنَّ العالم لنْ يتغيرْ بعد جائحة كورونا لأنَّ الطبيعة البشرية، كما قال، واحدة منذ الخليقة وإلى الآن، ولا يجبْ أن ننظرَ إلى تحولات دراماتيكية في العلاقات والبناءات على المستوى الفردي والاجتماعي والدولي".
وإن كنت أتفق مع د. شلبي جزئياً في هذا الطرح الهام، لكنني أختلفْ معه بأنّني أرى بأنَّ التغييرَ ممكن رغم استمرارية طبيعتنا البشرية التي لم تختلف منذ أن قام قايين على قتل أخيه هابيل بدافع الغيرة والحسد لأنَّ تقدماته لله قُبلت بعين الرضى. فرغمَ أنَّ الغيرةَ متأصلة ومتجذرة في طبيعتنا البشرية، ورغم هيمنة النظام العالمي الحالي الذي لم يعد أصلاً صالحاً للإستمراية لما خلَّفَهُ من فقرٍ وبطالةٍ وتفاوتٍ كبيرٍ في الدخل وسوء الحوكمة والظلم الإجتماعي، إلا أنَّ تراكمَ الإنجازات والخبرات والمجتمعات المدنية والديموقراطية والحياة الروحية هي بشائر التغيير في عالمنا، لأنّها تقلل من نزعتنا البشرية نحو التوحش والسيطرة والتسلط، وتقودنا نحو الأنسنة والعيش ضمن مجمتعات متمدنة تتمتع بحرية مسوؤلة متفق عليها ضمن تشريعات وقوانيين ضابطة مُجْمَعٌ عليها، والخروج عليها يعتبرُ خروجاً عن المألوف والتعرض للمسؤولية القانونية.
من منطلق ذلك، أتجاسر بالإقتباس من كلمات السيد المسيح "من ليس معنا فهو علينا". فعالمُنا خُلق "للحياة الفضلى"، وللحياة التي تكرِّسُ قيمَ الحب والجمال والغيرية. وقوة الحياة تبقى أقوى من قوة الموت، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه شيء، ولن تساومَ قيمُ الحياةِ على ركائزها، ولنْ تقبلَ بأقلِّ من الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
لذلك، فجائحة كورنا هي " شدة وبتزول"، كما يقول صاحب الجلالة الملك عبد الثاني ابن الحسين المعظم. وشأنها شأن كثيرٍ من الأوبئة والأمراض التي اجتاحت عالمنا. وبلا شك ستترك ندوباً وجراحاً كثيرة وآثاراً اقتصادية واجتماعية، لكن من قال أننا غيرَ قادرين على تجاوزها، والتحولَ النوعي نحو حياة أكثرَ مسؤوليةٍ وأكثر عطاء وأكثر جدّية.
هَزَّةُ غربالِ كورنا، ستنفضَ الغبارَ الذي علقَ بحياتنا، لأننا أصبحنا نعيشُ لإرضاء غيرنا، غير مكترثين بسعادتنا وتطوير مواهبنا وقدراتنا وإنسانيتنا، وأصحبنا أكثر اتكاليين مستهترين غير مباليين، لكن هنا يكمن دورُنا الآن ودورُ مفكرينا وقياداتنا وروادنا في رسم ملامح المرحلة القادمة لننفض الغبار بما علق بمجتمعنا مما هو غير مفيد وغير نافع وغير منتج، لنكمل انطلاقنا نحو رحلة البناء والإنجاز، تحت ظل قوانيين وتشريعات تصون الحقوق والحريات، وتشكل منطلقاً للركض في ميدان الحياة الواسع.
ولدينا في الأردن- والحمد لله- من المقومات الكثيرة التي تؤهلنا لذلك، تتقدمها قيادة هاشمية حكيمة حوّلت "الحلمَ إلى حقيقة" وصَنعت بتضحيات رجالاتِها أردناً يتبؤأ مكانتَه المرموقة بين دول العالم، وقد كَسِبَ هذا البلد تقدير واحترام العالم بسياسته الحكيمة الوازنة والحكيمة والمراعية لهموم شعبها، ولعمقها العربي الاسلامي المسيحي.
وقد استثمر الأردن في طاقاته البشرية الشبابية الواعدة القادرة أن تحمل الأردن نحو النهضة الشاملة في كافة نواحي الحياة، مما يدعونا للفخر بقطاعات عديدة متطورة وراقية تفتقد إليها حتى بعض التدول المتقدمة، ورأينا حجم الإشادة باستجابة دولتنا الحبيبة في ازمة كورونا وكفاءة قطاعنا الطبي، وهذا ما يدعونا للمزيد من العمل والجهد للبناء على منجزاتنا الوطنية في عيد الاستقلال الرابع والسبعين في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، ليكون محطة هامة نحو سياسة الاعتماد الذاتي والقدرة الانتاجية والمساهمة الجوهرية في الحضارة الإنسانية العالمية.