الحمد لله تعالى نحن في الأردن اليوم بعد أن تجاوزنا مرحلة الذروة في مكافحة فايروس كورونا بفضل الجهود الإستباقية للدولة الأردنية والتي كانت بتوجيهات ملكية مباشرة للأجهزة الرسمية ومتابعة أيضاً للإلتزام الشعبي في ذلك؛ حيث توّجنا المرحلة الأولى من حيث البعد الصحي والوقائي بفضل تعاضد الجميع إذ وصلت أعداد الإصابات قرابة الصفر داخل المملكة؛ وبالطبع لا تخلو من إصابات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة يومياً قادمة من الخارج على الحدود؛ ولكنا اليوم ومع العودة التدريجية لمواقع العمل والأسواق لاحظنا خللاً واضحاً في مسألة التباعد الإجتماعي وكذلك شائبة في التعامل مع القادمين عبر الحدود وتحديداً سائقي التريلات؛ مما أدى الوضع إلى خلل واضح وزيادة أعداد المصابين منذ الأسبوعين؛ ونخشى بعد العودة للعمل من قبل معظم القطاعات وخصوصاً الإنتاجية منها والتي تشغّل الأيدي العاملة ولا تضمن التباعد الإجتماعي إبان العمل ويكون هنالك تجمّعات دون ضوابط السلامة العامة والصحة وتجاوز المعايير التي تم إعتمادها؛ نخشى أن تزداد الأعداد للمصابين لا سمح الله تعالى؛ لذلك مطلوب إجراءات حكومية صارمة؛ ولذلك نحن هنا نعيد قراءة الموقف من مختلف الجوانب والأصعدة:
١. الرؤية والخطط الإستراتيجية والمتابعة الميدانية وتشبيك القطاعات كانت ببصمات جلالة الملك حفظه الله؛ وكانت ريادية وإستباقية ويشار لها بالبنان على مستوى العالم؛ فكان الأردن نموذجاً يحتذى في كيفية التعامل مع الجائحة وبأقل الخسائر البشرية؛ كيف لا وشعار المغفور له الحسين طيب الله ثراه الإنسان أغلى ما نملك؛ وشعار أبا الحسين حفظه الله تعالى الأردنيون على قدّر أهل العزم؛ وللأمانة أثبت الأردن نجاعة وجود مركز أمن وإدارة أزمات لتولي إدارة الإزمات والتنسيق بين كل الجهات ذات العلاقة.
٢. الجانب الصحي وطريقة التعامل مع الجائحة كان مثالياً في المرحلة الأولى؛ حيث الشفافية في التعامل والمؤتمرات الصحفية المتوالية للإعلان عن حالات الإصابة والشفاء والوفيات؛ وحيث فرق التقصي الوبائي وجهودها في كل محافظات المملكة؛ وحيث الفحوصات العشوائية المثالية؛ وحيث الطبابة للمرضى والجهوزية والبنى التحتية الطبية؛ وحيث الخبرات المتميزة من القوى البشرية الكفؤة والمدربة؛ وحيث التنسيق بين كل الجهات على أوجه؛ وحيث المستشفيات والمختبرات المجهّزة والرائعة؛ فنجح الجانب الطبي بإمتياز والحمد لله تعالى.
٣. لكنا اليوم في المرحلة الثانية بتنا نشكو من خلل واضح في ضبط فحوصات الحدود وخصوصاً لدى سائقي الشاحنات وطرق التعامل مع الموضوع؛ بالإضافة لخلل آخر بعد فتح الأسواق والتعويل على درجة وعي المواطن؛ إِلَّا أننا مع الأسف لاحظنا تجمعات لا تراعي التباعد الإجتماعي ولا المسافات الآمنة؛ وإذا بقي الوضع على ما هو عليه دون تحرك حكومي صارم؛ فإننا سنشهد هجمة جديدة لفايروس كورونا قد تنتشر في كل المحافظات مما سيصعب السيطرة عليها في الملف الطبي؛ ولهذا فالتحرك الحكومي بإجراءات أكثر صرامة بات مطلوباً بالسرعة القصوى.
٤. الجانب الأمني وتطبيق قانون الدفاع من قبل أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية كان بمثالية قصوى لدرجة أن وسائل الإعلام العالمية كانت تأخذ الأردن والعلاقة بين المواطنين والجيش والأمن نموذجاً عالمياً يحتذى؛ ساهم الجيش والأجهزة الأمنية في الأمن العسكري والسياسي والإجتماعي وساهموا في إحترام العلاقة بين الدولة والمواطنين؛ وساهموا في تمتين العلاقة بين الدولة والمواطن وإستعادوا ثقة المواطن بالحكومة؛ وكانوا خير سند وعون للمصابين والمرضى والفقراء والثكالى والأيتام وكل الناس؛ وكان أبناء الجيش والأجهزة الأمنية حماة حقيقيين لهذا الوطن وأهله وسمعته.
٥. حضارية المواطن الأردني وضيوف الأردن تجلّت في أوجها في المرحلة الأولى لمكافحة الفايروس؛حيث إلتزم معظم الناس بالقرارات الحكومية بالنسبة للحظر والتباعد الإجتماعي والعزل المنزلي؛ بالرغم من تلكؤ البعض في البداية إلا أنهم عاودوا الإلتزام؛ وبات المواطنون يلتزمون بالأسس والمعايير الصحية من حيث اللباس والمظهر والمسافات الآمنة والنظافة؛ وكان تجلي الإلتزام بقانون الدفاع والقرارات الحكومية المنبثقة عنه على أوجها؛ فأثبت المواطنون أنهم في خندق الوطن دوماً وأدركوا أن البقاء في المنازل والتباعد الإجتماعي هي مفاتيح نجاح الأردن في كبح جماح الوباء؛ لكننا اليوم في المرحلة الثانية من التعافي نلاحظ الفوضى لدى البعض ممن يتهافتون على الأسواق وقطاعات الإنتاج دونما مراعاة لأدنى أسس السلامة العامة والشروط الصحية؛ مما يتطلب إجراءات أكثر صرامة لمحاسبة المخالفين وفق قرارات قانون الدفاع؛ وذلك قبل أن يقع الفأس بالرأس ونشهد هجمة مرتدة من فايروس كورونا!
٦. وكان البعد الإعلامي قد أخذ دوراً طليعياً على كافة أصعدة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والتكنولوجي والتواصل الإجتماعي؛ فكان الإعلاميون جلهم في خندق الوطن وعملوا بأمانة وإخلاص وكانوا مع الوطن وشعارهم الوضوح والشفافية والمهنية والميدانية والجهوزية العالية؛ فأطّروا ومثّلوا إعلام الدولة بمعنى الكلمة.
٧. وأما البعد الإقتصادي فكان الضحية وكبش فداء نسبياً في زمن جائحة كورونا؛ بالرغم من الجهود الرسمية المبذولة لذلك وخطط الضمان الإجتماعي والدعم المالي وقروض البنك المركزي وتأجيل الأقساط والصناديق الداعمة للمتعطلين عن العمل وخطط التعافي الإقتصاد وغيرها؛ إِلَّا أن معظم القطاعات الإنتاجية والصناعية تضررت وكذلك هم العمال وأرباب العمل؛ ولهذا قدّرت الخسائر الإقتصادية بما لا يقل عن ملياري دينار أردني؛ ومع ذلك كله نتطلّع للعودة التدريجية لمواقع العمل لكل القطاعات مع ضرورة تطبيق معايير وأسس السلامة العامة حسب الأصول.
٨. خطة العودة لمواقع العمل بدأت بها الحكومة تدريجياً ووفق برنامج زمني لذلك وتم الإعلان عن عودة القطاع الحكومي بعد العيد؛ وأعطيت الأولوية للنشاطات الإقتصادية التي لا تشكّل خطورة لإنتشار الوباء ووفق ضوابط محددة؛ ومع ذلك فإن كل القطاعات تحتاج خريطة طريق لإستكمال العودة التدريجية بما فيها العاملون بالجامعات والمدارس دونما طلبة في الوقت الحالي لغايات العمل على إستكمال أنشطتهم التعليمية في مجال التعليم عن بُعد.
٨. نتطلّع اليوم قبل الغد لعودة الحياة لوطننا الحبيب ولكل دول العالم؛ فالجائحة عالمية والنظرة الإنسانية مطلوبة وخصوصاً أن الجائحة ممتدة وعابرة للحدود ولن تنتهي من دولة دونما إنتهائها عالمياً؛ ولذلك مطلوب تنسيق دولي للخروج من هذه الأزمة لغايات أن تكون ذروتها في زمان واحد والخروج منها كذلك؛ كما مطلوب إيضاً الوعي المجتمعي والتباعد وعدم التجمعات والتهافت وإلّا سنندم على تصرفاتنا الفردية غير الواقعية؛ ولهذا مطلوب إجراءات حكومية صلبة لكبح جماح أي خطأ قاتل في مسألة إنتشار الفايروس خوفاً من أن يقوم مستهتر بعقاب عشرة مليون مواطن ملتزم بالتباعد والحظر.
بصراحة: بالمجمل نجح الأردن بإمتياز في التعامل مع جائحة كورونا؛ فتميّز على كل الأصعدة الإستراتيجية والطبية والعسكرية والأمنية والحضارية والإعلامية والمسلكية وإدارة الأزمة؛ فكانت الوقاية والسلامة للإنسان الأعلى في هذا الوطن؛ ومع ذلك دفع إقتصادنا ثمناً ليس سهلاً في ظل معاناته أصلاً من أزمة إقتصادية خانقة؛ ولكننا في المراحل القادمة نطلب وعي مجتمعي أكثر منعاً للتهافت والتجمعات خوفاً من هجمة مرتدة لفايروس كورونا؛ ونطلب أيضاً إجراءات حكومية صارمة لمنع أي تجمعات أو تهافت أو أي خلل لإجراءات المعابر البرية والجوية والبحرية؛ حفظ الله الوطن وقائد الوطن والجيش والأمن والكوادر الطبية والتعليمية والخدمية والشعب.