ربطتني بالمرحوم فيصل الشوبكي علاقة صداقة امتدت لأربعة عقود، ولم أكن أعرف ان فيصل هو مدير مكتب مدير المخابرات العامة يومذاك, المرحوم مصطفى القيسي، إلى أن ذهبت إلى مكتب الباشا القيسي، الذي رغب بأن يتعرف على الشاب الذي يحرك الأنشطة الثقافية في جمعية العروة الوثقى التي أسستها كوكبة من أعلام الأردن، بزعامة المرحوم عبداللطيف أبو قورة أول مراقب عام للإخوان المسلمين، وكان مصدر فخر أن تؤول لي مسؤولية النشاط الثقافي في الجمعية التي كانت ملئ السمع والبصر، ولعل ذلك مادفع الباشا لطلب التعرف إلي من خلال صديقة الحاج محمود سعيد الذي كان يومها أمينا لسر العروة الوثقى، لأكتشف أن صديقي فيصل هو مدير مكتبه، ففي ذلك الزمن لم تكن الدولة تعرف تهريب وثائقها ولم يكن الرجال يستعرضون مواقعهم الوظيفية.
عوامل كثيرة عززت أواصر الصداقة بيننا، التي لم يشوبها أي خلاف ، إلا مرة واحدة يوم كنت رئيسا لتحرير جريدة اللواء، وكان هو الرجل الثاني في الدائرة فقد طلب مني هاتفياً تغير(المنشيت الرئيسي ) لعدد اللواء الذي سيصدر في اليوم التالي، ولما رفضت أحتد, ليفسر لي بعد ذلك أن سبب حدته في النقاش أن رئيس الوزراء حينها لم يكن مقتنعا بأن الدائرة لا(تمون) علي، مما كان يسبب حرجا لفيصل الذي كان يتفهم موقفي كصحفي وهو المسؤول الأمني، بينما لم يكن يتفهمه رئيس الوزراء الذي يفترض أنه رجل سياسة وداعية ديمقراطية.
وعندما كنت مديرا عاما لدائرة المطبوعات والنشر وكان هو مسؤولا عن التحليل والمعلومات في المخابرات العامة، كثيراً ما ساعد في حل مشكلات زملاء صحفيين وعقبات تراخيص مؤسسات كانت دائرة المطبوعات هي جهة ترخيصها.ولعل خبرة فيصل بالمعلومات والتحليل هي التي دفعته للتفكير بإنشاء مركز للدراسات قبل توليه منصب سفير الأردن في المملكة المغربية، وقد زارني في المركز الأردني للدراسات والمعلومات لاستشارتي في هذا الموضوع.
هذه العلاقة الطويلة تجعلني أستطيع القول أن الوطن خسر برحيل فيصل الشوبكي فارسا من فرسانه، كان له دورا مركزيا في حماية الوطن خاصة في فترة ما سمي ب'الربيع العربي, عندما نثر قائد الوطن كنانته فكان فيصل أصلبها عودا فانتدبه للمهمة الصعبة، فقد كان رحمه الله رجل مخابرات محترف، يعرف متى يكون شديدا صعب المراس، ومتى يكون لينا كأنه الماء السلسبيل،وفي الحالتين كان مُهاب الجانب, وكان قائدا يحسن صناعة القادة لأنه يؤمن بأن في القمة متسعا لغيره واثقا من نفسه لا يخشى المنافسة ، مثلما كان يُحسن تفجير قدرات الرجال، وكان صانع قرار غير متردد, وهذه كلها صفات يعترف بها لفيصل الخصوم قبل الأصدقاء، الذين كان وفياً لهم لم تغيره المناصب فقد عرفته منذ أن كان في أول السلم إلى أن تربع على أعلى الهرم فلم ألمس تغيرا في نمط تعامله.
رحل فيصل وهو الذي يعترف له الجميع أنه كان رجلا محبا للحياة، شديد الأناقه ارستقراطي التعامل رحمه الله.