تهدف وكالة النيروز من خلال زاويتها الجديدة " ذاكرة وطن " إلى إلقاء الضوء على محطات تاريخية سياسية وعسكرية من خلال استعراض ذاكرة الوطن السياسية والعسكرية - وذلك لتعزيز الصورة الزاهية للتاريخ السياسي والعسكري للمملكة الأردنية الهاشمية وللثورة العربية الكبرى وللإنجازات الهاشمية منذ انطلاقة الثورة الكبرى عام 1916م وقيام الكيان الأردني بإنشاء إمارة شرق الأردن عام 1921م ، وذلك سعياً لترسيخ البعد الوطني لدى قرائها الكرام ، والربط المتواصل بين الماضي والحاضر ، ليكون هذا النشر إسهاماً فاعلاً وموصولاً في أداء رسالة الوكالة الوطنية في مجالي التاريخ العسكري والسياسي للمملكة ، ولتكمِّل الجهد الإعلامي الوطني من خلال المنظومات الإعلامية والتعليمية في اردننا الأشم .
وستركز " وكالة النيروز " على نقل قرائها الكرام عبر صفحاتها في رحلة تاريخية سياسية عسكرية تثقيفية في إطار محاور إعلامية تعكس صوراً واحداثاً وتاريخاً سياسياً وعسكرياً يعكس الشخصية الوطنية الأردنية ببعديها السياسي والعسكري ، حيث استندت هذه الشخصية منذ البداية على مباديء النهضة العربية الكبرى التي تزعّمها وقاد ثورتها المنقذ الأعظم الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه .
(1)
بين يدي الثورة العربية الكبرى
-لقد تعرضت الأمة العربية عبر العصور إلى ظلم اجتماعي وحرمان سياسي من قبل أمم سيطرت على أوضاعها السياسية والعسكرية بحيث لم تعد تملك زمام أمرها وتبلور آخرها في عهد الطورانيين الذين هيمنوا على صنع القرار السياسي والعسكري في أوخر عهد الدولة العثمانية .
- لقد قامت الثورة العربية الكبرى من أجل هدفين استراتيجيين هما : الحفاظ على الدين الإسلامي الحنيف ، وتحقيق الوحدة والحرية والكرامة والاستقلال للأمتين العربية والإسلامية .
في تاريخ الأمم والشعوب أيام عزٍ تُذكر ، ومواقف يخلدها التاريخ ، حيث علا شأن الأمة العربية برسالة الإسلام السمحة لتأخذ مكانتها اللائقة تحت الشمس ، ونشر تعاليم الإسلام السمحة ، وتعميم العدالة في مختلف بقاع الأرض .
وبعد هذا المجد الصاعد ، ران على الأمة حينٌ من الدهر لم تكن فيه شيئاً مذكورا ، حيث تدهورت فيها الأحوال السياسية والاجتماعية ، وأصبحت مقاليد الحكم تتحكم فيها أيادٍ من غير العرب ، وقد سامت العرب خسفاً ، وظلمت عزتهم ، وقيّدت حريتهم ، ونالت من كبريائهم وكرامتهم ... إلى أن قيّض الله للأمة من ينهض بها ، ويقيل عثرتها ، ويقاتل من أجل حفظ دينها ، ويسعى لتحقيق وحدتها واستقلالها ، ويستعيد لها كرامتها ..... إنه الشريف الهاشمي الحسين بن علي زعيم العرب وقائد ثورتهم العربية الكبرى التي قامت من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي الحنيف ، وتحقيق الوحدة والحرية والكرامة والاستقلال للأمتين العربية والإسلامية .
لقد خضعت الأمة العربية للحكم العثماني مدة أربعة قرون منذ عام 1516 م – 1916 م ، تعرضت خلالها إلى ظلم اجتماعي وحرمان سياسي ، وبخاصة في أواخر عهد هذا الحكم - ناهيك عما سبق من ظلم من أمم سيطرت على الأمة العربية قبل الدولة العثمانية - ، وقد تبلور هذا الظلم والحرمان بشكل واضح على يد الاتحاديين الطورانيين الذين تحكّموا في الأمتين التركية والعربية ، وسيطروا على مركز القرار وعلى مفاصل الدولة ، وتحكموا في مجريات السياسة والعسكرية في زمن أصبحت فيه السلطات العثمانية ببابها العالي وصدرها الأعظم رهينة بيد هولاء الطورانيين ، ومنفذين لقراراتهم السياسية والعسكرية والاجتماعية أيضاً .
ومع اشتداد وطأة الظلم والاضطهاد أخذ فكر عربي جديد بالتبلور لدفع هذا الظلم والذود عن الهوية العربية ، ولكن الهجمة اشتدت وأصبحت أكثر ضراوة وشراسة على هذا الفكر العربي الجديد في عهد الطورانيين ، وتعرض أصحابه للاعتقال والتنكيل .... فتوجهت الأنظار إلى مكة المكرمة حيث الشريف الحسين بن علي كان الأمير الهاشمي عليها ، وذلك للتدخل لدى السلطان العثماني لإنقاذ أصحاب الفكر القومي والوطني العربي في شتى الولايات العربية التي كانت تخضع للحكم العثماني في تلك الفترة ، حيث زاد التمييز بين العنصر العربي والعنصر التركي في أواخر الحكم العثماني وبخاصة في مجالات الحقوق والوظائف ، إضافة لما تعرضت له اللغة العربية بسبب اتباع سياسة التتريك ، فلطالما طالب العرب بجعلها لغة رسمية في الولايات العربية ، حيث كان العرب يشكلون أكثر من 52% من سكان البلاد التي كانت تخضع للدولة العثمانية ، كما طالب العرب ببعض الإصلاحات الضرورية وعلى رأسها التعليم واحترام حرية الإنسان ، ولكن مثل هذه المطالب لم تلق أذناً صاغية لدى السلطات العثمانية آنذاك ، ولا لدى جماعة الاتحاد والترقي الذين كانوا يفرضون سياستهم وتعليماتهم على كل أرجاء الدولة ، بل تعدى الأمر ذلك ، فقاموا بخلع السلطان عبدالحميد وتعيين السلطان محمد رشاد الخامس بدلاً منه .
وهنا يتضح فرض تجسيد هذه السيطرة من قبل الاتحاديين للنزعة القومية الطورانية ، فقد عانى العرب من شدة وطأة الظلم والتعسف ، الأمر الذي أثار حفيظتهم ، وأخذوا يطالبون بالإصلاح ، فهذا هو الشاعر " ولي الدين يكن " يعرض حال الأمة ، ويصف هذا الظلم ويطالب بالإصلاح ، فيقول :
ياوطناً قد جرى الفسادُ به متى يرينا إصــــــلاحَك الزمنُ
دُفِنت حياً وما دنــــــــا أجلما ضر لو دافنوك قد دُفِنوا
وهاهو الشيخ " فؤاد الخطيب´ يصف الأوضاع بعد تعطيل الدستور بقصيدة تصف عمق المرارة التي كانت تملأ نفوس العرب بسبب اضطهاد الاتحاديين لهم ، واستبعادهم من مؤسسات الدولة فيقول :
كم قائل ويحكم فالأمـــــــــــر مبتسرٌوصائحٍ ..... أجهلتم أنكم خدمُ
فأنتم بين أيــــــدي التـــــرك لا وطنلكم .. ولكن أصحاب البلاد همُ
أين الوزارة ؟ بل أين الولاية ؟ بلأين الإخاء ؟ وأين العهد والقسمُ
جاروا على لغة القرآن فانصدعت له القلوب .. وضجّ البيتُ والحرمُ
كما يمضي الشاعر الخطيب ... مندداً بجماعة الاتحاد والترقي ، فيقول :
ياعصبة في بلاد الترك طاغيةلا تحسبوا العرب في أوطانهم رمما
إن الزمـــان الذي أولاكم نِـــــــعماً هو الزمـــــان الذي نرجــو به نِــــــــعما
وقد خاطب الشعراء الشريف الحسين بن علي لتدارك هذه الأوضاع الخطيرة ، فهاهو الشاعر " عبدالحميد الرافعي " يخاطب الشريف الحسين بن علي بقوله :
دارك أميـــــر العــــرب جرثـــــومة للعـــــــــرب ... قد أدركــــــها ياســــها
تجـــاوز التــــــرك على حقهـــــــا والتـــــرك قــــوم ضــــــاع إحســاسـها
وإزاء هذه الأوضاع ، وبناء على التنسيق ما بين مفكري العرب ومتنوريهم في الشام ، واستناداً إلى ميثاق دمشق الذي اشرف عليه ورتب له الأمير فيصل بن الحسين ، وبعد محادثات طويلة وشاقّة مع بريطانيا التي عُرِفت في التاريخ بــمحادثات ( الحسين – مكماهون ) واستجابة لنداء أحرار العرب أعلن الشريف الحسين بن علي الثورة العربية الكبرى في التاسع من شعبان من عام 1334 للهجرة الموافق للعاشر من حزيران من عام 1916 للميلاد ، وقد انطلق صوت " فؤاد الخطيب " شاعر الثورة العربية الكبرى بقصيدته المشهورة التي مطلعها :
حيّ الشريف وحي البيت والحرما وانهض فمثلك يرعى العهد والذمما
ياصاحب الهمة الشماء أنت لهاإن كان غيرك يرضى الأين والسأما
وقد أشار الشاعر في القصيدة إلى الظلم الذي لحق بالعرب إلى درجة إيقاظهم من سباتهم العميق ، ثم يعتز الشاعر بنسب الشريف الحسين بن علي ، وبمن التف حوله من الأبطال لإعادة مجد العرب ، فيقول :
يا ابن الكماة وانت اليوم وارثهمقد عـاد متصلاً ما كـــان منفصما
والتف حولك أبطال غطـــــــــــــارفة شم الأنوف يرون الموت مغتنما
لقد استجاب الحسين بن علي لنداء أحرار العرب ليتزعم ويقود الثورة العربية الكبرى لرفع الظلم والطغيان عن أمة العرب ، وليقف في وجه الاتحاديين الطورانيين بعد أن ظل وفياً للسلطان العثماني حتى وقت انضمام الدولة العثمانية إلى المانيا ودول المحور في الحرب العالمية الأولى ، رغم نصيحة الشريف الحسين للسلطان العثماني بعدم الانضمام إلى ألمانيا في تلك الحرب التي كان الشريف يرى أنها ليست في صالح الدولة العثمانية .
يتبع في الأسبوع القادم : ( شخصية الشريف الحسين بن علي والإرهاصات الأولى للثورة العربية الكبرى...