الدكتور عديل الشرمان
كنّا نعدّهم من رجالات هذا البلد، ومن قياداته، ومن قاماته، واليوم سهام الفساد تتوجه نحوهم، ولا نعرف من أين تنطلق ومن أطلقها، وفيما إذا كانت ستصيبهم في مقتل، أم ستخطئهم، وبغض النظر عن دوافعها وأسبابها، فقد بدأنا السير في طريق مجهول وخطر، إلا أن التراجع عنه أكثر خطورة، وليس بوسع أحد التنبؤ بنهاياته، فالطريق طويل ومتعرج وشائك، وقد لا يكون له نهاية واضحة ومحددة أغلب الظن.
وقعنا في المحظور، وانكشف بعض المستور، وبدأ واضحا تخاصم أهل الفساد وهو حق واقع، إلا أن المشكلة التي نحن في صددها لا تتمثل بحفنة من الفاسدين، وإنما بالفساد بحد ذاته، فحربنا التي نخوضها ليست مع أشخاص يمثلون عدوا ظاهرا، حتى وإن تم ازاحتهم عن المشهد والتغلب عليهم، فهناك طابور من الفاسدين ينتظرون أدوارا لهم، وهناك الموظف البسيط الفاسد سيكبر قريبا وسيصبح رقما في هذه المنظومة، وسنشهد حروبا أخرى مع فاسدين جدد في الوقت الذي تصبح فيه صراعاتنا مع الفاسدين كرّ وفرّ، وأشبه بحروب الاستنزاف التي تستنزف طاقاتنا ومواردنا وتهوي بأخلاقنا وانتمائنا وولائنا.
في ظل ضعف رقابي وتشريعي نجد أنفسنا نقف صفين متقابلين ومنقسمين نتراشق التهم والبيانات المتعلقة بالفساد، ويبدو أننا نسينا وغفلنا عن الخطر كل الخطر الذي يتمثل بالتداعيات المعنوية لما يحدث، وأثر ذلك في النفوس، حيث تراجع وتدهور ثقة المواطن بالحكومة، وبأجهزتها المختلفة، وفقدانه الثقة بالقيم والأخلاق المجتمعية، وضعف ولائه وانتمائه، وتراجع قيم المواطنة الصالحة الفاعلة لديه، وانحطاط الهمم ودنوها.
كل شيء أصبح في نظر المواطن فاسدا، وباتت نظرته سوداوية للأمور من حوله، والفساد بات وصما يلاحق المجتمع، ويطغى على منجزاته، ويفسد كل ما تحقق من نجاحات، ولا نعرف لمصلحة من، ومن يقود هذا التخريب المعنوي والنفسي في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى أن نكون أقوى من أي وقت مضى.
التداعيات المعنوية للفساد تعتبر الأخطر من الفساد نفسه، وتنذر بعواقب مدمّرة، ومقابل هذه الأخطار، لا نجد أية إجراءات ملموسة أو قرارات جادة تتوافق مع عظم الحدث والمشكلة غير تلك التي تصب الزيت على النار لدرجة تشعر معها وكأن أياد خفية حاقدة تعاند وتبيّت نوايا خبيثة ولا تريد الخير لهذا البلد.
مطلوب من كافة الجهات المعنية الشعبية والرسمية وفي مقدمتها وسائل الإعلام أن تكون واعية لما يحدث، وأن لا تدسّ رأسها في الرمال متجاهلة ما يحدث، وأن تضطلع بمسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة من المراحل التي يمر بها مجتمعنا من خلال إعداد افلام ورسائل قصيرة مركّزة ذات مضامين تهدف إلى تنمية وتعزيز المفاهيم التي تقوّم السلوك الخاص بالفرد، وتقوّي علاقته (بالمجتمع، والدولة، والبيئة، والتربية، والعلم، والاعلام، ...الخ)، ومن هذه المفاهيم:
الوطن ( الانتماء، الوفاء، الفداء،...الخ)
الحريات( المدنية، السياسية، الطبيعية،...الخ)
العلم
الأنا، الآخر، الاختلاف، الحوار
العمل التطوعي، المبادرة
الابداع، الابتكار
المسؤولية الاجتماعية
الاخلاق، القيم
ويتم بث هذه الافلام والرسائل من خلال وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، وعلى شكل رسائل ذكيّة وقصيرة قادرة على إحداث الأثر المرجو منها.
كما يجب العمل على إطلاق المبادرات المدروسة والمعدة بدقة من قبل مختصين وخبراء وعلى مستوى الوطن في المجالات (المجتمعية، والأمنية، والثقافية، والفنية،...الخ) ، وباستخدام كافة وسائل الإعلام التقليدية، والإعلام الجديد، وغيرها من الوسائل (المسرح، والمعارض، والمهرجانات،...الخ)، ودعوة مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية الى تبنيها ودعمها، تلك المبادرات التي من شأنها حث المواطن على القيام بأدوار ايجابية في هذه المرحلة، والتفاعل بصورة عقلانية مع ما يحدث ليكون عونا لا عائقا على تخطي هذه المرحلة.
إلا أن نجاحنا في بعث الهمم والعزائم وإصلاح الأثر المعنوي والنفسي، والحد من اليأس والإحباط لا تكفيه الخطب والشعارات والكلمات الرنّانة والعبارات المثالية إن لم تقترن بالأفعال.