من يسافر بالطائرة من مكه للمدينة وشاهد الأرض التي سلكها الرسول(ص) واصاحبه ، او من يسافر بالسيارة الفارهة او بالسيارة القديمة او على دابة او على قدميه ...لسوف يعرف ان الهجرة النبوية لم تكن لغاية دنيوية.
ولهذا فإن هناك حكم تستخلص من هذه الهجرة ويجب علينا معرفتها وهي كالتالي :
أولا: إن القائد الماهر هو الذي لا يورط أمته بل يحافظ عليها فلا يوردها موارد التهلكة، فنرى أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هاجر خفية ووجه أصحابه إلى ذلك حتى لا يتعرض أحد إلى إيذاء المشركين إلا ما حدث من بعضهم حين هاجر علانية مثل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـوكان هذا تصرفا خاصا به، أما الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ فهو نبي يقتدى به، والحفاظ على حياة النبي والقائد أمر مهم؛ لان بالحفاظ عليه يكون الحفاظ على الأمة، وحتى لا يهاجر المستضعفون علانية فيتعرضون للإيذاء، ولذلك لما أمرهم بالهجرة سرا هاجروا أفرادا وجماعات في سرية تامة.
ثانيا: من دروس الهجرة: حب الوطن، فحب الوطن من الإيمان والدفاع عنه والتعلق به من صميم العقيدة، تجلى هذا في هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما ودّع مكة المكرمة بكلماته الحانية قائلا: «ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
وعندما هاجر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة لم يهجر قريشا ولا بني هاشم فلقد كان يحب المجتمع ويتمنى لهم الهداية والخير، كما أنه ـ وهو الوفي ـ لم ينس لبني هاشم - مسلمهم وكافرهم ـ مواقفهم معه عندما قادتهم عصبية الرحم فحموه من كل القبائل ودخلوا معه شعب أبي طالب يقاسمون معه ومع المسلمين الجوع والفاقة، ولا يمنون عليه بذلك مع أنهم على غير دينه، لكنه الولاء للأرحام.
ومن هنا نقول للمهاجرين من أبناء عصرنا لظروف مختلفة إلى أي بلد من بلدان العالم هذه هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أيديكم، وهي كتاب مفتوح فأمعنوا القراءة فيه لتدركوا منه أن هجرتكم من بلادكم - لأي سبب من الأسباب ـ لا تعني القطيعة مع أرض الوطن، ولا مع الأهل والعشيرة، ولا مع المسلمين في أي مكان مهما تكن الخلافات الطارئة معهم، بل يجب أن تبقى الصلة قائمة بينكم وبين الأهل والقوم تمدونهم بأسباب الإيمان إلى أكبر مدى ممكن لاسيما ووسائل التواصل الآن في أقوى مستوى عرفته البشرية وبالتالي تكونون قد وصلتم الرحم وجمعتم بين الثلاثية المتكاملة التي تمثل بأركانها الثلاثة وحدة لا تنفصم، وإلا فقدت الأمة مكانة الخيرية التي رفعها الله إليها عندما قال: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».