ليست مفاجئة الانتكاسة الوبائية التي يمر بها بلدنا, حيث تزايد خلال الأيام القليلة الماضية عدد الإصابات بفيروس كورونا, فقد تم التحذير منها كثيراً, فمنذ البداية حذرنا من المراهنة على وعي الناس في مجتمعنا, خاصة وأنه مجتمع تتفاوت فيه مستويات الوعي, إلى الدرجة التي كان فيها البعض يتفاخر بأساليبه ومهاراته في الإحتيال على إجراءات السلامة والوقاية, ليس على صعيد إرتداء الكمامات والكفوف فحسب, بل وعلى إقامة التجمعات الكبرى خاصة في الولائم والأعراس, بما يشبه عملية الانتحار الجماعي, في صورة من أبشع صور استهتار الإنسان بسلامته وسلامة مجتمعه, لذلك كان يجب إسقاط الرهان على الوعي منذ البدايات الأولى لهذا الوباء.
ومثلما حذرنا من الرهان على وعي المجتمع, حذرنا أكثر من خطر التسرع بإعلان الإنتصار على الوباء, مذكرين بالحكمة القائلة "من طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه" لكن ما حدث أن التصريحات الاستعراضية لبعض المسؤولين الذين كانوا يتسابقون للوقوف أما الكاميرا لقراءة سطر مكرر من تصريح, هم الذين أعلنوا بأننا "نشفنا" الكورونا مما شجع الناس على المزيد من التساهل في إجراءات الوقاية, وعلى المزيد من النشاطات التي تضرب عرض الحائط بكل سبل الوقاية, فازدحمت وسائل النقل والمقاهي والمطاعم وتكاثرت الاعراس والولائم فكان لابد من تكاثر الاصابات, فكانت نتيجة الإنصياع للرغبة بالاستعراض أن أهدى أصحابها للمتربصين بالأردن فرصة ذهبية, فقد بدأ هؤلاء بالتسابق لإطلاق تفسيرات مشبوهة لعودة الفيروس, وقد كان على المتنافسين لرغبة الاستعراض تفضيل صورة الأردن على صورهم الشخصية.
كذلك حذرنا من الانصياع وراء تجار الحروب, الذين نجحوا في تصوير جائحة فيروس كورونا الصحية على أنها جائحة اقتصادية, وقلنا أنه من المستحيل في ظل جائحة كورونا أن نربح اقتصادياً وصحياً, وأن خيار قيادتنا كان الانحياز إلى الثابت الوطني الأردني" الإنسان أغلى مانملك" لذلك كان الحرص على سلامة وصحة المواطن الأردني هو المقدم على كل شيء, فجاءت توجيهات جلالة الملك حازمة وصارمة في هذا الشأن, وهي التوجيهات التي نفذتها قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية باحترافية عالية, استطعنا من خلالها أن نقدم نموذجاً متميزاً على مستوى العالم في مجال مواجهة الأزمات, يومها حذرنا من تيار متغلغل داخل الحكومة لايريد للأردن الحفاظ على أي نجاح, وأن هذا التيار سيبادر لإجهاض نجاحنا في مواجهة كورونا, وهو ماتم فعلاً ومانرى نتائجه تزايداً يومياً في عدد الإصابات, من أهم أسبابه البحث عن الشعبوية من قبل بعض المسؤولين, ومن أخطرها الإنصياع لرغبات حفنة من التجار لايهمهم إلا تعظيم أرباحهم, مما أدى إلى تراخي الإجراءات على المعابر الحدودية, التي صارت معبراً لحاملي الفيروس, الذي ينتشر بين ظهرانينا بوتيرة متزايدة, ليكشف لنا إلى أي حد وصل التهاون وغياب المساءلة والاستهتار بسلامة المواطن الأردني, وإلى أين يقودنا الانسياق وراء رأس المال الذي لا وطن له, فهل تكون هذه الانتكاسة الوبائية إنذاراً يستمع إليه بعض المسؤولين في بلدنا, بعد أن أنطبق على تحذيراتنا السابقة بيت الشعر "قد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي".