تخالني كلَّ ما تابعت مقالا أم مقابلة لسمو الأمير الحسن بن طلال المعظم أتساءل هل من يتجاوب مع صوته ممن هم معنيون بمستقبل الأمة والإنسانية جمعاء التي لا يتشكل بناؤها إلا تراكمياً وعبر العصور والأزمان. ولا يمكن أن يكون عالمنا ما هو عليه اليوم وأقصد من تقدُّمٍ وتطور وحضارة، رغم الكثير من الشؤائب والسلبيات، من غير تفاعل أمم الأرض وشعوبها ومساهمتهم في بناء الحضارة الإنسانية العالمية، وهي حضارة تعلِّي من قيمة الإنسان وحقوقه وكرامته الإنسانية فوق أي اعتبار سياسي أو مصالح أو مطامع.
ولا يمكن أن لا يكون لأقليمنا في المشرق ذو المائتي مليون نسمة متعدد الأجناس والأعراق واللغات والتراث والحضارة والفكر والثقافة دور في إعادة ضخ الفكر والثقافة والتراث الروحي والقوة الاقتصادية للعالم أجمع، وخصوصاً أن له اسهامات لا غنى عنها في مجالات الفلسفة والطب والعلوم والآداب.
شاء الله أنْ يكونَ المشرق متعددا في كل شيء، وهذا مصدر قوة وغنى، لكنه شكَّلَ عبر حقب مختلفة وفترات مختلفة سبب نفور وشقاق وتناحر، عزَّزته قوة التنافس العالمية والاستعمار لمنطقة هي الأغنى في العالم في المصادر المعرفية والفكرية والثقافية والروحية والإيمانية والمصادر الطبيعية، ولكن لا بدَّ للمشرق الذي انبعثت منه فكرة النهضة في بداية القرن العشرين وقادها الهاشمين الأبرار والمتمثلة في وحدة بلاد الشلام واليوم تجد صداها في تكامل وتعاون أعمدة الأمة الأربعة ( العرب، الكرد، الترك، الفرس) كما يسميها سمو الأمير الحسن حفظه الله لكي يَستنهضَ المشرق من جديد كأقليم متعدد متنوع غني بكل ما في الكلمة من معنى، وقادر أن يكون هذا المشرق شمسٌ تشرق منه القيمة الروحية والإنسانية من جديد.
وهذا لا يتحقق من غير ولادة دول مدنية قاعدتها دستور مدني معاصر يحترم التعددية الدينية و الثقافية والفكرية واللغوية والتراثية، ويستوعب الجميع ولا يستنثى أو يقصي أو يلغي أحداً، مما يساهم في احترام حقوق جميع مكونات المنطقةِ وصون متكتسباتهم وحرية فكرهم ورأيهم في إطار الهويات الوطنية الجامعة التي لا فضل أحد فيها على أحد فيها إلا بالإلتزام بقيمة ومعايير ومبادئ الدستور الذي يساوي بين الجميع على أسس التكافئ.
ويبقى للمشرق رسالة إنسانية حضارية عالمية، وواجب عليه أن ينهض من كبوته من جديد، ويتجاوز مخلَّفات التناحر والاقتتال على أسس فكرية دينية سقيمة لا تعكس قيم أدياننا وتعاليمها السمحة.
والعالمُ كلُّه يدركُ أهميةَ المشرق ويطمحُ في أنْ يكونَ له موطئ قدم فيه، فهو تاريخ وحضارة وتراث ووحي إلهي، فلا بدَّ من لملَمة الجراح والقفز على الماضي المعبئ بكثير من رائحة الدم والطائفية والعنصرية البغيضة، وتمكين المجتمعات المحلية التي هي الركيزة الأساسية للُّحمة المجتمعية والوطنية والسد المنيع لرفض التطرف والإرهاب وما ينتهك الكرامة الإنسانية.
لنبدأ من أنفسنا بمحبة وعشق هذه المشرق وغناه وتنوعه وتعدده، وعشق ترابه وهوائه وجماله الذي لا يراه إلا من يحبّه.