هذا عبارةٌ نسجَتها السيدة خالدة القسوس بعناية فائقة على صفحتها على الفيس بوك خلال زيارةٍ سياحيةٍ شاركت بها يوم الجمعة الماضية إلى وادي رم ضمن رحلة سياحية شملت الشوبك والبتراء والعقبة. لقد شدَّ نظري نسيجُ هذه العبارة الجذّاب لما تحمله وتتضمّنه من معانٍ، فقررت الوقوف لبرهة عنده والتأمل في خيوطه.
فالحديث هنا ليس عن الحبِّ بل عن العشق. والعِشْقُ في مَعجم اللغة العربية مشتقٌ من عَشِقَ الشيء أي "هَوِيه وتعلّق قلبُه به وأحبَّه حبًّا شديدًا". فالعشق أكثر تعقيداً من الحبّ وهو أعلى درجات، لأنَّ الحبيب يقع في عِشْقِ حبيبته لدرجةٍ لا يقدر أنْ يستغنيَ عنها أو يفتكرَ بدونها لأنَّ قلبه قد تعلّق بها، فقد تخلخلت في مسامات جسمه وفي ثنايا قلبه وحناياه، فأصبَحَت تشكِّلُ نبضَ قلبه وأنفاس حياته.
وهكذا هو حال عشقنا للوطن، حيث تتعلّق به قلوبنا لدرجة يصعب الإبتعاد عنه. وإنْ كنا لا نحبَّ الأردنَ لدرجة العشقِ فلن نقدر أبداً أن نكون مخلصين له بكل جوارحنا، ولن نقدرَ أنْ نوفيهِ حقّه من حبِّ وعطاءٍ وبذلٍ وتضحية. فنبضُ الوطن يَسريَ في قلوبنا وأنفاسِ صدورنا، ولا نقدرُ العيشَ بدون وجودِه أو بغيابه عنا أو بغيابنا عنه، فهو وطن يسكن بداخلنا أينما حللنا. لذلك فالأردن يستهوي قلوبَنا وعقولَنا لدرجةِ امتلاكنا بالكامل. فشكراً لك يا سيدتي على تذكيرنا بعشق الوطن!
ولذلك ترخص أرواحنا فدى الوطن وقائد الوطن المحبوب، ويُضحَى بالغالي والنفيس في سبيل أن يكون أحسنَ الأوطان وأجملِها. وكم بالأحرى إذا كان هذا الوطن الأم هو الأردن الضام إلى صدره وادي رم والبتراء ووادي الموجب والبحر الميت وجبل نبو والمغطس والعقبة وجبال عجلون وأم رصاص وأم جمال ورحاب وجرش ومادبا وعمان وكلُّ الكنوز التاريخية والدينية والأثرية والبيئية والطبيعية والعلاجية على امتداد رقعته الجغرافية الواسعة والتي تقدر بحوالي 89,342 كيلومتراً مُربَّعاً، والتي تحتاج إلى المزيد من تسليط الضوء عليها بالصوت والصورة لتكون مقصداً للسياحة والترفيه والاستجمام والعلاج واستكشاف كنوزها المتفردّة فيها.
وسيبقى الأردن معشوقةَ كلِّ الأردنيين، وهو معزوفةٌ جميلةٌ تسمو بالنفس إلى العلياء والمجد، وهذا العشق لا نتعلمه من بطون الكتب، بل ينبعُ من القلب ويرتبط بالوجدان، وترنو إليه القلوب شوقاً وحنينا. وما يزيدُ عشقُنا للأردنِ هي الروحُ الأردنيةُ الأصيلة في النخوة والشجاعة والإقدام والكرم وحسن الضيافة ويبقى المنسف على رأسها.
وتغنياً بأردن الخير والأِقْدَام أهدى الشاعر اللبناني العروبي الراحل سعيد عقل في العام 1963 إلى الأردن والشعب الأردني الكبير قصيدة بعنوان " أردن أرض العزم أغنية الظُّبَا"، وقد لحّنها محمد عبد الوهاب وغنتها فيروز، وكلماتها هي:
أردن أرض العزم أغنية الظبى نبت السيوف وحد سيفك ما نبا
في حجم بعض الورد إلا إنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصـبا
فرضت على الدنيا البطولة مشتهى وعليك ديناً لا يخان و مذهبا
في حجم بعض الورد إلا إنه لك شوكة ردت إلى الشرق الصـبا