د.أبوحمور: الورقة النقاشية الملكية السادسة أكدت أن الدين أساسي لبناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية
د.بن قيزة: مهمات المجتمع المدني ليست سياسية كلها فهناك الحفاظ على البيئة والقوانين والديمقراطية
د.لعريط: بؤر التعصب والعنف أدت إلى هجرة الشباب والمفكرين والمتعلمين من أصحاب الكفاءات
د.العرداوي: ضرورة مد جسور الحوار مع الخطاب الديني وبناء المواطنة على أسس قانونية لا عاطفية
د.المجالي: الثقافة العربية استيعابية وتصالحية تتناقض والاقصائية وامتزجت مع الثقافات المحيطة بها
أ. الحدي: لا بد من صيغة للتنمية والاستقرار وتعزيز التقدم نحو مكانة للأمّة في عالم متعدد يتسع للتنوع
د.المملوك: ضرورة تشكّل فقه لصهر الانتماءات لصالح الانتماء للوطن الواحد الأوحد والهوية الجامعة
عمّان- ناقش لقاء نظمه منتدى الفكر العربي عن بُعد يوم الأربعاء 26/8/2020، وشارك فيه مفكرون وأكاديميون وبرلمانيون عرب، أسس الانتقال إلى الدولة المدنية من أجل المواطنة المتعددة الثقافات، وألقى أستاذ الفلسفة ورئيس مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية في لبنان د. أدونيس العَكرة محاضرة في هذا الموضوع، وقدم مداخلات في هذا اللقاء الذي أداره وشارك فيه الوزير الأسبق والأمين العام للمنتدى د.محمد أبوحمور، كل من: أستاذ الفلسفة الحديثة والابستمولوجيا د. الطاهر بن قيزة من تونس، و د.مسعودة العريط الكاتبة والأكاديمية المتخصصة في الأدب الحديث من الجزائر، و د.خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية من العراق، و د.سحر المجالي أستاذة التاريخ الإسلامي والحديث/ عضو المنتدى من الأردن، والأستاذ عبد الحميد سيف الحدي عضو مجلس الشورى ورئيس منتدى الحوار العربي/ عضو منتدى الفكر من اليمن، ود. ماهر المملوك عضو المنتدى من سورية .
أوضح المحاضر أن شرط المواطنية الديمقراطية هو الانتقال الديمقراطي دستورياً إلى الدولة المدنية الحاضنة للتنوّع، وأشار المتداخلون إلى أن الورقة النقاشية الملكية السادسة لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين أكدت أن الدين أساسي لبناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية، وأن مهمات المجتمع المدني ليست سياسية كلها فهناك الحفاظ على البيئة والقوانين والديمقراطية، وأن بؤر التعصب والعنف أدت إلى هجرة الشباب والمفكرين والمتعلمين من أصحاب الكفاءات، ودعا بعضهم إلى ضرورة مد جسور الحوار مع الخطاب الديني وبناء المواطنة على أسس قانونية لا عاطفية، وبيّن بعض آخر أن الثقافة العربية هي ثقافة استيعابية وتصالحية تتناقض والاقصائية وقد امتزجت تاريخياً مع الثقافات المحيطة بها في العالم العربي والإسلامي، كما أبرز النقاش أهمية وجود صيغة عربية للتنمية والاستقرار وتعزيز التقدم نحو مكانة للأمّة في عالم متعدد يتسع للتنوع، وضرورة تشكّل فقه لصهر الانتماءات لصالح الانتماء للوطن الواحد الأوحد والهوية الجامعة .
التفاصيل :
قال المفكر د.أدونيس العَكره : إن المجتمعات العربية هي مجتمعات تعدّدية في تكوينها تبعاً للتنوّع الطبيعي في أجناس البشر، والاختلاف الثقافي والديني والعقائدي في ما بينهم، مما يعتبر حقّاً للافراد والجماعات على السواء، وإن المواطنة ضرورة للاعتراف بوجودهم السويّ وضمانة لحقوقهم وواجباتهم من أجل العيش والبقاء معاً.
وأضاف د.العكره : أن الحاجة إلى البحث والتفكير في موضوع المواطنة لا تزال تشكّل مطلباً أساسياً على مستوى الشعوب والسلطات، إضافة الى غالبية الأحزاب والقوى ومؤسسات المجتمع المدني، مما يطرح التساؤل حول مفهوم التعايش السلمي وإمكانات ما يستتبعه من قيام المواطنيّة الحاضنة لأشكال التنوّع وضمان واقع هذا التعايش لمشاركة المواطنين في الحياة العمومية داخل الدولة؛ مؤكداً أن شرط قيام المواطنية الديمقراطية هو الانتقال الديمقراطي دستوريا الى الدولة المدنية الحاضنة للتنوّع والاختلاف، والضامنة لما تستتبعه المواطنية المتعددة الثقافات من حقوق وواجبات.
وأوضح د.العكره أن التركيز على دور الدين السياسي يؤدي إلى نشوء واقع ضبابي تختلط فيه ميادين الفعل والسلوك، والعقل، والإيمان والمعتقد، والحرية والسلام، اختلاطاً دون تمييز بين الماهيات؛ ذلك أن الحقيقة الدينية لا تنحدر من ميدانها المطلق إلى الميدان النسبي وحقائقه السياسية التعاقدية، وينبغي ألا تخرج السياسة المدنيّة عن دورها وتحشر نفسها في دائرة الدين، فإن ذلك لا يساعد على تعزيز مفهوم المواطنة في المجتمعات، وفي الوقت نفسه لا يتيح للإنسان تحقيق أفضل الشروط للجوانب الروحية والإيمانية في حياته.
وأشار د.محمد أبوحمّور الوزير الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي في كلمته إلى أن النظرة العلمية الموضوعية للدولة المدنية توضح أنها ليست مرادفاً للدولة العلمانية، كما أكدت ذلك الورقة السادسة من الأوراق النقاشية الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم "سيادة القانون أساس الدولة المدنية"، والتي نصّت على أن الدين في الدولة المدنية "عامل أساسي في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية"، كما لا يُسمَح "لأحد أن يستغل أو يوظف الدين لتحقيق مصالح وأهداف سياسية أو خدمة مصالح فئوية".
وأضاف د.أبوحمور أن الحوارات التي سبق أن عقدها منتدى الفكر العربي حول مضامين الورقة النقاشية السادسة، أكدت بدورها أن فريقاً من المفكرين المسلمين، المحتكمين للمرجعية الإسلامية يقبلون بمصطلح الدولة المدنية، لأن عماد هذه الدولة هو مفهوم المواطنة، وأن "صحيفة المدينة" التي وضعها المسلمون عند بدايات إنشاء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة تعتبر أول دستور مدني أكد مفهوم المواطنة وأن سكان المدينة أمّة واحدة، بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية أو اختلافاتهم الثقافية أوالعرقية .
وقال د. أبوحمور : إن توصيات المؤتمر الذي عقده منتدى الفكر العربي خلال الفترة 10-12 آب 2020 برعاية ومشاركة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال وبعنوان "المواطنة الحاضنة للتنوع في المجال العربي" ومضامين "نداء عمّان" الصادر عنه، دعت إلى معالجة الخلل والنقص في النواحي القانونية والثقافية المتعلقة بترسيخ المواطنة ومن ذلك التفريق على أساس الهوية الدينية، والاعتراف بالخصوصيات الوطنية والقومية والثقافية والدينية والحضارية .
وأشار د.الطاهر بن قيزة أستاذ الفلسفة الحديثة والابستمولوجيا من تونس، إلى أن التأزم الحالي غير المسبوق للوضع العربي يُنظَر إليه غالباً على أنه علامة مرض، فيما الحقيقة كما يراها علامة صحة في الانتقال من وضع إلى وضع جديد؛ مؤكداً أهمية تحديد المفاهيم قبل استعمالها من أجل إيجاد ثقافة متكاملة ومتجانسة لتعايش الجميع .
وبيّن د.بن قيزة أن التأكيد على وجود دولة مدنية هو تأكيد على الانتقال من النظام الهرمي إلى النظام الأفقي، مشيراً إلى أن نسخ النظام الهرمي لا يؤدي إلى إقامة مجتمعات مبنية على فكرة المساواة، وهي الأساس للتساوي بين المواطنين، وبين الأعراق، وبين الجهات الجغرافية في الدولة، وبين من يملكون المال ومَنْ لا يملكون، وأن الانتقال الديمقراطي يفترض دوراً مهماً للمجتمع المدني، وهو الضامن الذي يخول المجتمع أن يضع أسس التربية الاجتماعية للمواطنة؛ مضيفاً أن مؤسسات المجتمع المدني ليست بالضرورة سياسية كلها، وإنما هناك مهمات المحافظة على البيئة والمدن والتراث والقوانين، كما يتطلب النظام الديمقراطي وجود مؤسسات ضامنة له، مثل الرقابة على المصادر المالية وما إليها، والمحكمة الدستورية، والمؤسسات التي تحمي المجتمع المدني من الوقوع تحت الضغوطات المالية في عصر العولمة وتأثيراته السلبية في هذا المجال وعلى تحقيق الانتقال الديمقراطي .
واعتبرت د.مسعودة لعريط الكاتبة والأكاديمية أستاذة الأدب الحديث من الجزائر، أن خطاب المواطنة والديمقراطية ما يزال لم يجد طريقه بعد، وليس اصطدامه بالعقبات بسبب إشكال اصطلاحي أو مفهومي في تعريف المواطنة أو حقلها السياسي ومجالها كأحد إفرازات خطاب الحداثة الغربية، وإنما بسبب التصلب وأطروحات الدولة الدينية وتسييس الدين، فالمواطنة كاصطلاح ترتبط بترسيخ الديمقراطية وثقافتها تتمثل في قبول التعدد وحق الاختلاف، فهي تنطلق من تكريس الواجبات والحقوق الفردية والمادية، ولا تنكر ما يؤمن الحياة الدينية والعقائدية للأفراد وضمان الحرية الشخصية .
وأشارت د.لعريط إلى أن بؤر التعصب والعنف ونبذ المختلف في بعض المجتمعات أدت إلى ظواهر هجرة الشباب إلى الدول العلمانية، وهجرة المفكرين والمتعلمين من أصحاب الكفاءات في مجالات مختلفة، وأن المواطنة ستكون حلقة من حلقات نضال وعي التخلف ضد تخلف الوعي، ضمن نهج ثقافي أو سياسي يندرج في إطار السيرورة التاريخية والصراع بين العدالة والظلم لتحقيق السلم الحضاري المبني على أساس احترام الاختلاف والتعددية .
وقال د.خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية من العراق : إن الأوراق النقاشية الملكية لجلالة الملك عبد الله الثاني تعد وثائق مهمة لمسار بناء دولة المواطنة الحقيقية في الأردن .
وأشار د.العرداوي إلى أنه على المستوى العربي لم ندخل حداثة مشابهة للحداثة الأوروبية التي اخترعت مفهوم الدولة المدنية المبني على مبادىء أربعة هي: العلم، العقل، الحرية، والفرد . والملاحظ أنه خلال ما يزيد على المئة عام وبعد بدايات عصر النهضة العربية الذي لم يستمر تراجعت أفكار النهضويين الأوائل أمثال الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي، فيما انشغل الخطاب السياسي العربي باستقلال الدولة وأهمل استقلال الفرد، وانشغل بالتحرير وأهمل الحرية، وانشغل بالجماعة وأهمل الفرد، وانشغل بالوطنية وأهمل المواطن، وانشغل بالحديث عن دولة الرعايا وأهمل دولة المواطنين .
واعتبر د.العرداوي أن الخطاب الديني سياسياً هو خطاب دعوة وليس دولة، وما عبرت عنه جماعات التطرف هو جزء من خطاب داخلي لم ينضج ليصبح رؤية تجاه الدولة وعلاقتها بالدين، غير أن المشكلة الحقيقية هي في تعدد الخطابات الدينية ومرجعياتها واعتبار كل منها أنه يمثل الحقيقة التاريخية، مما يدعو في ظل هذا الصراع إلى جهد فلسفي ومدني أكبر لمد جسور الحوار مع الخطاب الديني، والعمل على بناء المواطنة وفق أسس قانونية تعاقدية، وليس على العاطفة المتغيّرة من مرحلة لأخرى .
وتناولت د.سحر المجالي الأستاذ المشارك في التاريخ الإسلامي والحديث وعضو المنتدى من الأردن، التطور التاريخي لمفهوم الدولة المدنية والمواطنة في أوروبا، وقالت : إن الثقافة الإقصائية، التي شرّعها الرومان في قوانينهم وميّزوا بموجبها بين المواطنين الرومان وغيرهم من سكان الأمصار الملحقة بالامبراطورية الرومانية، استمرت حتى عصر النهضة الأوروبية والأحلام الوردية التي جاءت بها واقتصرت بكل أسف على الشعوب الأوروبية، لكن في الجانب الآخر أفرزت لبعض شعوب العالم، وخاصة الأمة العربية الاستعمار والتفكيك ومحاربة الهوية القومية والوطنية، وأن القوى الاستعمارية هي التي تسببت بخوض الصراعات البينية بين مكونات الأمة العربية حتى على الهوية العربية الجامعة الشاملة، وهذه القوى هي التي جذّرت في زوايا الأمة مفاهيم القطرية غير القادرة على مواجهة التحديات الداخلية والأطماع الخارجية .
وأشارت د. المجالي إلى أن الثقافة العربية امتزجت مع الثقافات المحيطة بها سواء الفارسية أم التركية أم الأمازيغية أم الكردية وغيرها، كونها في المفهوم العام للدولة والمواطنة هي ثقافة استيعابية وتصالحية بعيدة عن الثقافة الإقصائية ومتناقضة معها جذوراً وفروعاً، وإن كل ما نسعى إليه اليوم من عناوين المواطنية والدولة وعالمهما يمكن أن يحتويه الفكر القومي العربي الوحدوي بعيداً عن القطرية وآفاتها .
وأوضح د. ماهر المملوك عضو المنتدى من سورية في مداخلته حول المواطنة ومسألة الانتماء والهوية والتعددية، أن العديد من الدول ما تزال تعاني من تعدد الهويات والانتماءات فيها، ما يؤدي إلى تغلب هذا التعدد على روح المواطنة لدى سكانها، ويشكل وضعاً غير مستقر من الناحية السياسية والمجتمعية، وبالتالي فإن وضوح تكوّن المواطنة والرؤية في الهوية من الضرورة بمكان للتوصل إلى عملية الصهر المطلوبة من أجل توظيف هذا التعدد في صالح المواطنة الفاعلة وتطور المجتمعات والدول.
وأشار د.المملوك إلى أنه لا بد من أن يتشكل لدى أي دولة فقه صهر الانتماءات لصالح انتماء أساسي هو الانتماء للوطن الواحد الأوحد ، وصهر الهويات المتعددة في سبيل هوية جامعة هي هوية الوطن الكبير الذي يتسع لجميع الاعراق والمشارب، ضمن سيرورة الدولة التاريخية.
ودعا الأستاذ عبد الحميد سيف الحدي عضو مجلس الشورى ورئيس منتدى الحوار العربي عضو منتدى الفكر العربي من اليمن، إلى فهم المنطلقات الأساسية نحو بناء الدولة المدنية وعلى أسس علمية من شأنها المساعدة على تحقيق التنمية والاستقرار؛ مؤكداً دور المفكرين والباحثين في دراسة سبل إيجاد حياة تنموية ومشاركة حقيقية للقوى السياسية والفكرية والاجتماعية في بناء الدولة المدنية وتعميق فكرة العيش المشترك بين مكونات المجتمعات العربية.
وأشار الحدي إلى الاتحاد السويسري كمثال على الاستقرار والنمو والتطور الهائل نتيجة العيش المشترك؛ مشدداً على أن وجود صيغة لتعزيز التطور والتقدم ستجعل للأمة مكانة تليق بها في عالم متغير ومتعدد يتسع لتنوع الهويات .
يذكر أن التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء الفكري صورة وصوتاً يُبث على الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وعلى قناة منتدى الفكر العربي عبر منصة YouTube