أضاء الشيخ احمد نوفل في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي على سيرة الشيخ محمد هليل والد قاضي القضاة السابق احمد هليل وتاليا نص المنشور الذي يكشف فيه نوفل ان الراحل هليل اصر على الحياة البسيطة رغم تحسن وضع نجله المادي
وتاليا نص المنشور …
الشيخ محمد أحمد هليل العجارمة من منطقة ناعور هو والد الدكتور أحمد هليل وزير الأوقاف وقاضي القضاة في الأردن وزميل الدراسة في مصر .
الشيخ الكبير إمامنا في مسجد الشريعة باللويبدة طيلة مدة الدراسة، وتخرجنا وبقي الشيخ يسكن تسوية المسجد ولم يرحل منها وقد طلب منه ابنه البار أن يسكنه في أحسن المساكن فأبى وصمم أن تخرج جنازته من المسجد الذي عاش أغلب عمره فيه.
بدأ الشيخ حياته راعي غنم كما حدثنا بنفسه رحمه الله، لم يقرأ ولم يكتب ولم يذهب لمدرسة حتى سن الخامسة عشرة، ثم تعلم على يد المشايخ الشناقطة، وكل أسمائهم محمد الأمين أو محمد المختار، ومنهم الشنقيطي الذي كان سفيراً للأردن في جدة والتقيناه في مرات عديدة وهو مثقف كبير وذكي ومتحدث لبق وصاحب نكتة، وكان قاضي قضاة الأردن قبل ذلك، لكن معلم الشيخ شيخ شنقيطي آخر، يرى الشيخ هليل له كرامات وحدثنا عنها.
وتدينه مع الزهد مضرب المثل وكذا تمكنه من اللغة العربية، وعلى هذا تلقى الشيخ صاحب السيرة الطيبة العطرة عنه العلم حتى صار في العربية والنحو بالذات آية من الآيات، وكنا نحمل دفاترنا ونأخذ عنه وهو يملي من حافظة عجيبة، وأزعم أنه كان لي عند الشيخ منزلة خاصة وهو كذلك له منزلة خاصة عند الجميع، ولي عند ابنه الدكتور أحمد منزلة خاصة، أزعم وله كذلك.. وأشهد أنه كتلة من الذوق والتهذيب والأدب والعلم، ولا مجاملة ولا مبالغة، ولم ألتق به منذ سنوات وكنا لا نفترق هذا الزمن، لكن الشواغل كثرت.
نعود للشيخ هليل الوالد، الذي كان يعلمنا بلا مبالغة ما لا نجده إلا في الأمهات من الكتب، في مجلس عذب تسوده روح العلم ولا يخلو من روح لطيفة مرحة لا تفارق الشيخ فيضفي على المجلس مرحاً وطيباً فلا تحس بثقل ولا بمرور الوقت.
حفظت جزءاً أو قسماً جيداً من القرآن الكريم من تلاوات الشيخ في الصلوات.
وأهل اللويبدة متنوعون أغلبهم من أثرياء الشوام، وكان للشيخ عند الجميع منزلة واحترام، وكثيراً ما كانوا يجلسون بعد الصلوات يتحف الشيخ المجلس والجالسين من حافظته من الأدب والعلم ومن الأحداث التي عايشها. حدثني عن مرحلة الفقر التي مر بها فقال: كانت امرأتي على وشك الولادة ولم يكن عندي شيء من المال، وكنت محتاجاً في تقديري إلى (15) ديناراً أقضي بها بعض شؤون البيت وطعام الوالدة وحاجات الوليد، وضاقت الدنيا فذهبت إلى شيخي محمد المختار الشنقيطي، وعندما هممت بالمغادرة في نهاية المجلس استوقفني وأخرج من تحت طراحته (الفرشة أو المسند) (15) ديناراً ودفعها إليّ وأصر عليّ فقبلتها شاكراً.. وحمدت ربي على تدبيره، وفعلاً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].
وفارقنا الكلية ولم تفارقنا ذكرياتها، ومن أعزها مجالس العلم من الشيخ الكبير محمد هليل.
ولما قضى المولى بنهاية عمر حافل مبارك طيب فارق الدنيا هذا الإنسان، فارق العناء والمرض إلى الراحة بإذن ربه، وقد كانت له جنازة مهيبة، وعزاء في شارع المدينة (إن لم أكن نسيت) كان يحتشد فيه الناس كل يوم من أيام تلقي المواساة والعزاء، وما شهدنا إلا بما علمنا، ونشهد للشيخ بأنه كان على علم وخُلق وفضل ومنزلة في النفوس واحترام وتقدير يحظى به من الجميع، ولا تتأتى مثل هذه المنزلة إلا لفضائل عند صاحبها.
ويعلم الله أن الشيخ لا يغيب عن البال بالدعاء له بالرحمة والمنزلة عند ربه، جزاء ما علمنا، وأفادنا وصلينا خلفه الصلوات الخمس سنوات الدراسة.
لا ننسى إتحافاته وطرائفه ولطفه ومجلسه الذي تسوده روح الإيمان والود والعلم الشرعي الذي تغلغل في قلب الشيخ وعقله فلا تفارقه روح الإفادة والتعليم.
نستحضر مثل هذه الأسماء ومثل هؤلاء الأشخاص لأن كثيراً منهم يُفتقد وقلما يُعوّض.
ورحم الله الشيخ محمد هليل عَلَمنا وعالمنا ومعلمنا وإمامنا في كل صلواتنا في دراستنا في كلية الشريعة بجبل اللويبدة.
ورحم الله تلك الأيام.. الجميلة اي والله.. ونسأل الله تعالى أن يجعل للشيخ المنازل العامرة في الجنة كما جعل بيت الله عامراً بالعبادة والعلم.