غيب الموت في العاشر من شهر تموز ٢٠١٨ الزميل والأخ والصديق، رفيق السلام و المهنة والحياة العقيد مصطفى محمد الدباغ بعد حياة حافلة بعطاء، شخصية كان بصماتها الواضحة خلال عملها في القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي وفي مديرية التوجية المعنوي بالذات.
العقيد مصطفى الدباغ هو ابن محمد زكي ذو النون الدباغ صاحب الانتماء الوطني الأردني الصادق من أصول عراقية و الذي كان ( أبوه) من اوائل من خدموا في الجيش العربي الأردني زمن الإمارة، وكان مسؤول السجل في القيادة العامة مع حسام المفتي وآخرون، ويروي عن محمد زكي ذو النون الدباغ أنه كان بحفظ أسماء وأرقام المسجلين في الجيش العربي أيام ما كان يسمى المرتب بالسجل في تلك الفترة، وفي أجواء عمان العاصمة ولد مصطفى الدباغ وثلاثة آخرون من الأشقاء حيص كان مصطفى ثالثهم في الترتيب، وفي عمان عاش ودرس، وقرأ الابتدائية و الإعدادية والثانوية ليتخرج من الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة الأردنية ليكون من الفوج الأول ممن تخرجوا منها بدرجة البكالوريوس في التربية وعلم النفس، وليسافر بعد تخرجه للعمل في ليبيا فترة من الزمن، إلا أن حبه لوطنه وللجيش العربي الذي خدم فيه والده دفعه لأن لا يطيل المقام هناك وليؤثر العودة بعدها لأرض الوطن وينخرط في سلك الجندية ضابطاً برتبة ملازم، وليعمل مرشداً وباحثاً نفسياً في السجن العسكري التابع للشرطة العسكرية الملكية وحتى أوائل عام ١٩٨٠ لينتقل بعدها إلى مديرية التوجيه المعنوي وليعمل ركن أول صحافة عسكرية فترة من الزمن ثم ركن أول حرب نفسية ثم مديراً لصرح الشهيد بالوكالة، ثم ركن أول توجيه معنوي في الفرقة الآلية الرابعة الملكية، ثم رئيساً لشعبة الدراسات والحرب النفسية فترة طويلة من الزمن، وظل يترقى بالرتب العسكرية إلى رتبة عقيد ليحال بعدها إلى التقاعد في أواخر عام ١٩٩٧.
وخلال فترة عمله في مديرية التوجيه ظل يركز اهتمامه على علم النفس الخاصة الجانب العسكري منه عاملاً على أن يكون هذا الموضوع إضافة نوعية وتحديثية يقدمه نوعية لأبناء القوات المسلحة الأردنية لتنمية الوعي الإدراكي لديهم ولإثراء السلوك وبناء الاتجاهات والقيم الإيجابية، وليسخر كل ما لديه من علم ومعرفة مع العاملين معه للمساهمة في رفع الروح المعنوية وتعزيز معاني الانتماء والولاد الوطني بين مرتبات القوات المسلحة من خلال المحاضرات والندوات والمقالات والنشرات التوعوية، وقد شارك المرحوم مصطفى الدباغ بجميع الدورات العسكرية الداخلية والخارجية التي تحتاجها طبيعة عمله والتي تؤهله لشغل المراكز الإدارية والقيادية التي أسندت إليه خاصة في مجال الحرب النفسية، وظل يعمل دون منةٍ أو انتظار لمغنم أو إطراء، أو غاية إلا إرضاء للّٰه ولضميره، وخدمة وطنه وقواته المسلحة.
كان مصطفى الدباغ رحمة اللّٰه مسكوناً بحب الجيش والعزيمة والإصرار، والعمل بكل تفانٍ وإخلاص، كما كان متصالحاً مع نفسه، ملفتاً بأدبه وخلقه وتقواه، وعمله وصفاء نفسه، كما كان عسكرياً منضبطاً وملتزماً ومميزاً في موضوعيته ودقته، وقدرته ورغبته الطوعية في خلق العمل وتنفيذه، ومتابعة كل ما يسند إليه من واجب، حريصاً على انجازه على الصورة الأفضل، ومبادراً من طرح الأفكار والآراء وتجربتها، وتحويلها إلى مشاريع عملية، وعرف عنه جدية العمل والإبداع والكفاءة، ودأبه الدائم على استغلال كل معلومة يتوصل أو يقف عليها لتسخيرها لخدمة علم النفس الذي استخوذ على اهتمامه ليصوغ منها توجيهات ونصائح ودعوات توضيحية تعمق الثقافة التوعوية لدي أبناء القوات المسلحة للحفاظ على أمن الوطن وقواته المسلحة.
وفي التعامل معه كان يضرب مثلاً أعلى في قدرته على التعامل مع الآخرين دون اختلاف أو ازعاج، ملتزماً بأعلى معايير الحياة العسكرية القائمة على الاحترام والطاعة والسلوك المهذب، والالتزام بالأوامر والتعليمات، منصاعاً لكل ما فيهاومن ضبط وربط ونظام ونزاهة واستقامة، كما كان مصطفى استأذنا وأخانا الأكبر الذي نحترم ونجل، والقريب من القلب والرضا وهو يغمرنا بسجاياه الإنسانية الرائعة والتزامه بالدين والخلق والسلوك القويم والفضائل والقيم الرفيعة.
ألف مصطفى الدباغ العديد من الكتب التي وصلت إلى خمسة عشر مولفاً ومطبوعاً تركزت على الحرب النفسية وتفرعاتها من إشاعة ودعاية وهجمة إعلامية صهيونية والحرب النفسية الإسرائيلية والخداع في حرب الخليج والإقناع كفن أو حرب، كتب الإسلام فوبيا وعقده الخوف من الإسلام والإعجاز القرآني والحرب النفسية في الإسلام وصياغة الشخصية العسكرية وغيرها من القصص والروايات والمسرحيات، إضافة إلى ما كان ينشره من مقالات في الحرب النفسية في المجلات والصحف المحلية والعربية، وما أعده وقدمه من برامج حوارية إذاعية تختص بالحرب النفسية.
كما أسهم خلال عمله في مديرية التوجيه المعنوي على إعداد وإصدار نشرات شهرية للمعنويات تناول خلالها موضوعات الدعاية والإشاعة والحرب النفسية المعادية والمضادة ( الهجومية والدفاعية)، وإصدار تقرير إخباري يومي حول ما يتعلق بالأردن والقوات المسلحة وما يزال معمول به حتى اليوم، كما كان له دور وإسهام في إصدار تقرير سياسي شهري آخر يتناول قضية سياسية ذات مساس بالشأن المحلي الأردني والأقليمي او قضية سياسية عربية وحتى عالمية يتن استقصاء جوانبها والتعريف بها وتحليلها وتحفظ في جلاسورات خاصة في أرشيف مديرية التوجية وخلاب ترؤسه لشعبة الدراسات والحرب النفسية نشط رحمة اللّٰه في تتبع مستوى الروح المعنوية وإجراء عمليات المسح والتقيم وتقديم الآراء والاقتراحات، وبيان الاحتياجات وتقديمها للجهات المسؤولة والتعاون مع شعبة الإعلام لاستخدام الوسائل المتاحة ضمن خطط العمليات النفسية، ومتابعة الأحداث الجارية في وسائل الإعلام المختلفة وتوثيقها وإعداد الأبحاث والدراسات حولها، وفي إعطاء المحاضرات المتعلقة بالحرب النفسية، وتطور القوات المسلحة والمعارك الإسلامية، وإعداد كراسات ونشرات المعنويات والإعلام وعلم النفس العسكري والعلامات العامة لتدريسها لدورات الاستخبارات والإعلام والحرب النفسية، كثيرة هي السمات والسجايا التي تميزت بها شخصية مصطفى الدباغ، وقد عرفناه صاحب رأي ورؤيا واحترافية مهنية، وحضور طاغ على كل من عرفه وتعامل معه، وهو في سيرته ومسيرته صاحب تجربة ثرية عمرها وأغناها بالقراءة والكتابة والتحليل والاستنتاج والفهم والإدراك والمعرفة.
وأننا نحن تستذكر شخصية المرحوم مصطفى الدباغ العسكرية والعملية والأدبية والإنسانية فإنما نستذكر شخصية أخلصت في عملها، وأعطت وطنها وقيادتها وقواتها المسلحة صادق انتمائها ووفائها، ومسيرة عطرة نذكرها بالخير والتقدير والاحترام، مبتهلين للعلي القدير أن يتغمد أبا سهل بواسع رحمته ورضوانه، وان يسكنه فسيح جناته، ويلهن أسرته الصبر. وإنا للّٰه وإنا إليه راجعون.