ربما أن َيرسم الواحد منا خطاً مستقيماً فذلك من أصعب الأمور، ولربما في ذلك دلالةً على طبيعةِ حياتنا البشرية التي تَستسهل المنحنيات، واللف والدوران. فالإستقامة سمة نادرة العملة في عصرنا الحاضر لأنها لا تتماشى مع واقع كثير من المجتمعات إلا اللَّهُمَّ حيث وجد قانون رادع يجرّم من يتلاعب ويتحايل على القانون بقصد تحقيق مصالح ومآرب شخصية.
ومن فوائد سيادة القانون هو الزام الناس باتباع الصدق والاستقامة والأمانة في الحياة فلا استنزاف للموارد على حساب الوطن ولا تَهرُّب من مستحقاتٍ هي ملكٌ للوطن. وأهيمة التربية والتعليم وقبل كل شيء بناء الشخصية المستقيمة، إذ هي الضمانة الأساسية لبناء وتطور المجتمعات. لذلك تَعلَّمَنا من إيماننا أن يكون كلامُنا "نعم نعم وما زاد على ذلك فهو من الشرير".
والخطير أن لا تتطابق أفعالُنا مع أقوالِنا، إذ نقول شيئاً ونفعل شيئأ آخر. ومن هنا جاء قول السيد المسيح " اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم". ولكنَّ المهم أن تتسم حياتُنا نحن بالاستقامة "فكلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالأمانة" (مز 4:33). فلا يمكن أن نكون مُلكاً لله وحياتنا معوَّجه وغير مستقيمة. فلا بدّ أن يصيرَ المعوجُ مستقيماً، وأنْ تَتَّسِمَ كلُّ أعمالِ أيدينا بالأمانة والإخلاص في العمل.
هذه كلمات نحتاج أنْ نسمعَها نحن اليوم في ظل التحولات العالمية الجديدة والطارئة وربما الضرورية وفي ظل اعادة النظر في مفهوم العولمة. فحتى نلحق بغيرنا كشعوب عربية نحتاج أن نصير مثلهم متقدمين في احترام الوقت والتقيد بسيادة القانون والعمل بوفاء واخلاص وأمانة. فإن لم نمسكَ بزمامِ الأمور ونتسلحَ بالإستقامة في الحياة والوفاءَ والإخلاص في العمل لن نقدرَ أن نتقدم قيد أنملةٍ للأمام وقد نصبح من دول العالم الرابع. وبكلِّ بساطة جوهرُ أدياننا هو هذه، الدعوة للإستقامة والأمانة، فكلمة الرّب على الدوام مستقيمة وكلُّ صنعه بالأمانة، وينتظر منا الله أنْ نكونَ على صورته في أعلى درجات الإستقامة وأعمق معاني الأمانة، فيتنسم عندَها من حياتنا رائحة الرضى وتبهج قلبَهُ أعمالُ أيدينا.