في ظروف الإنسان الصعبة يصعب التفكر في معنى الحياة، لإنشغالنا في ضرورات الحياة وحاجياتها. فطريق الحياة ليست طريقاً معبداً بالورود والياسمين، لكنَّها طريقٌ لا يمكن للنفس البشرية السَّوية إلا وأن تتعلق بها لأننا خُلقنا لنحياها رغم كلِّ التحديات والآلام التي علينا أن نجتازَها، ومن خلالها نكمل مسيرةَ الحياة الحاضرة المفعمة بالإيمان والرجاء والمحبة لتُكلَّلَ بالحياة السماوية التي وعد بها الله للذين يتقونه ويخافونه.
ومن هذه المنطلق ليس أمامنا إلا أنْ "نهوى الحياة" (مز 12:34)، ونعشقَها ونتعزّل بها، ونحبُّ فيها كل شيء جميل، ونعمل على صونها والحفاظ عليها، لا وبل أن نتفنن في ابراز جمالها ورونقها وأجمل معانيها، وأن نطوّر كل ما يحافظ عليها ويصونها من التشويه والأذى والشّر. ولذلك تطوَّرت الدول المدنية لتحافظ على قيمة الحياة وكرامة الحياة البشرية، والعمل صون كامل حقوقها غير منقوصه. وهذه هي جوهر الرسالة السماوية المقدسة التي يجب أن تحملها المؤسسات الدينية لتعلِّي مفهوم وقيمة الحياة الفضلى كما أرادها الله لنا.
ولكن يقفُ دائماً ما هو نقيض الحياة الفضلى ليشوِّهها وينتقصُ منها، وهذا هو معنى ومفهوم الشَّرِ في العالم. وحديثنا عن الشّر لا يجب أن يقودنا بالضرورة إلى التفكّر بعالم خارجي يأتي منه الشّر بقدر ما هو التفكّر بعالمنا الداخلي المتمثل بفكرنا المختَل الذي يُعشِّشُ في قلوبنا وفي عقولنا، ونتيجته تشويه الحياة الفضلى وزرع الفتن والشرور في قلوب البشر، ويتجلى من خلال لدغات ألسنتنا المميته في زرع الشّر والنميمة والفتن بين الناس لإفسادِ صفاء الحياة ونقاوتها وجمالها، وكذلك من خلال شفاهنا الماكرة في التكلم بالخداع والغِّش والكلام المعسول بهدف الأغراء والإغواء. وأيضا في ابتكار طرق شريرة ومكايد بقصد إيذاء حياة الآخرين وعرقلة مسيرة حياتهم والمسّ بحرمة الحياة وقيمتها الروحية.
الحياة البشرية مقدسة وجميلة، وسنبقى نهوى الحياة ونحبُّ كثرة الأيام لنرى خيراً.