بقلم : الدكتور محمد سلمان المعايعة /أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية.
بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة عطوفة الباشا الفريق محمد الرقاد مدير المخابرات الأسبق، نستذكر أصحاب الهمم العالية صناع التاريخ والحضارة الذين كانوا يعملون بجد وصمت لتبقى شمس الوطن مشرقة ورأيته عالية مرفوعة بفضل إرادة وعزيمة أبنائه الأوفياء الشرفاء...نستذكر بالفخر والاعتزاز أهل التميز وأصحاب المواقف العظيمة التي زرعت حدائق زهور في طريقنا بفكرهم العميق وخبراتهم الناضجة التي انعكست في قوة أدائهم والأرتقاء به... نستذكر القامات الوطنية التي كانت بمثابة الدروع المتينة الواقيه لآمن وأمان الوطن واستقراره والذين كانوا يعملون ديدنهم وعيونهم على الوطن والمواطن وقيادته الهاشمية العامرة ولا ينتظرون وساماً ولا مكافأة نهاية خدمة ومنّه من أحد هدفهم أن تبقى رأية الوطن عالية والأمن والأمان والاستقرار لأبناء الوطن والكرامة الإنسانية التي هي أحد عناوين الرسائل التوجيهية لسيد البلاد المفدى جلالة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين المعظم أعز الله ملكة حفظه الله ورعاه ، وكانت هذه المسؤولية أمانه عند المرحوم الباشا الفريق الرقاد، والأمانة عنده مُصانه ومقدسة عندما كان في مواقع المسؤولية في دائرة المخابرات العامة فعمل وأبدع وأنجز وأحسن الأداء في العمل وبناء قادة عظام من بعده حملوا شعار المسؤولية جباههم عالية ليبقى الأردن واحة الأمن والأمان فجعلوا من الأردن متحف مقدس تحت الأرض وفوق الأرض...فجزاهم الله خير الجزاء على صدق انتمائهم وولائهم لتراب الوطن والإخلاص والوفاء له، فأنحازاتهم شامة أردنية على جبين الوطن... ونقول ونحن نستخضر ونخاطب روح المرحوم الباشا محمد الرقاد صاحب المكانه والهيبه في حياته ومماته لأن مثل هذه القامات الوطنية والقيادية لا تموت وإنما أفعالهم ومآثرهم تخلدهم كمدارس تنشر الفضيلة بين الناس...فالحمد لله، النافذِ لأمره، الغالب قهره الواجب حمده وشكره ، وهو الحكيم الخبير ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له في الملك والتدبير ، لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه وهو على كل شيءٍ قدير سبحانه وبحمده جعل لكل أجل كتاباً وللمنايا آجالاً وأسباباً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الهادي البشير والسراجُ المنير صلى الله عليه وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار ما جنّ ليل وبزغ نهار وسلّم تسليماً كثيراً، ونقول لروحه الطاهرة إن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعاً وأشدّه على الأمة لوعة وأثراً فقدُ القادة العظام من رتب الحكماء والنبلاء والعلماء والشيوخ أهل الأرث الحضاري والحكمة ، فهم كانوا في حياتهم محطات تنويرية رأياتها عالية مشعه بجليل أعمالهم، لا يستغني عنها وغيابهم ترك فراغ كبير للناس الذين تعودوا على هذه النوافذ صانعة المجد كشموس ساطعة وكواكب لامعة وللأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها بهم حُفظت القيم الإنسانية والتراث والدين وبه حفظوا وبهم رُفعت منارات الملّة وبها رفعوا (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)، فهم أهل خشية الله(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا والبليةُ بموتهم من أعظم البلايا... هؤلاء الرجال الحكماء والنبلاء والكرماء هم الذين جمعوا مجدهم في وعاء واحد من القيم الدينيه والثوابت الأخلاقية والأدبية والسلوكية والفقه فستحقوا رتب الحكماء في مجالس الكبار من الشيوخ التي تزهو وتزهر المجالس بحضورهم فيرتفع المقام والمكان بهم .
فقد رحل عنّا قامة وطنية مبدعة وقائد فذ في عمله في التخطيط الأمني والاستراتيجي يشار إليه بالبنان لعظمة إنجازاته، وعالم من علوم الأدب صاحب إرث حضاري رفيع القدر والمكانة الأصيلة في الفقه العشائري وراعي لمجالس النبلاء والشيوخ، هؤلاء الرجال مدارس في القيم الإنسانية والحضارية إرتحلت ولن تعود.. .والمصيبة لفقده لاتحدّ والفجيعة لموته نازلة لا تنسى وفاجعة لا تمحى والخطب بفقده جلل والخسارة فادحة، ومهما كانت الألفاظ مكلومة والجمل مهمومة والأحرف ولهى والعبارات ثكلى فلن تستطيع جودة التعبير ولا دقة التصوير، فليست الرزية على الأمة بفقد جاه أو مال كلا ثم كلا، ولكن الرزية أن يُفقد قائدا عالم حين موته ، يموت بموته بشـر كثير فموت الباشا محمد الرقاد الذي نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ليس موت شخص واحد، ولكنه لعلو مكانته في قلوب العباد ومن حرقت الفراق لهذه القامة الوطنية التي رسمت قوس الإنجاز والنجاح والهيبه على جبين الوطن وهو على منصات المسؤولية هدفه أن تبقى شمس الوطن مشرقة عالية القدر والمكانة بعزيمة أبنائه البارين به، هذا الفارس لا يعوض بسهوله لأننا نشعر بأن لفقدانه هناك بنيان قوم يُتهدم وحضارة أمة تتهاوى فخسارة الزعامه لا يمكن أن تقدر وتكلفتها عميقة الأثر في النفوس .ورغم تسابق العَبَرات في منحدر الغياب الكبير.. ورغم تدافع الدموع في ضباب الكلمات الهائمة أسىً ولوعة.. نقول: الحمد لله على كل حال، فعزائنا به هو سمعته الطيبة التي تتناقلها مدارس الفقهاء والوجهاء والشيوخ ممن رافقوا الباشا المرحوم محمد الرقاد أيقونة القادة العسكريين العظام، ومنصة الفقه العشائري الذي أصابه اليتم بغيابه عن مجالس الشيوخ والأسياد ومنابر الحكماء والنبلاء والكرماء، ذلك هو الحكيم متى حضر حضرت معه الحكمة والحلم الجميل وهذه القيم والمعاني تعلمها من اول درس له في مدارس الهاشميين تعلم قيم الولاء والانتماء للوطن، ومن مجالس الآباء والأجداد من حكماء عشيرة الرقاد أيقونة العشائر الأردنية في ميزان الإنجازات الحضارية وطيب الأفعال والمآثر الكريمة التي لا نستطيع الإحاطة بجوانبها كاملة لكثرتها وجمالها الحضاري والأخلاقي التي أثقلت الميزان بكبر حجمها الإنسانى على خارطة العشائر الأردنية.
كان الظن ان الرجال العظام أمثال المرحوم الباشا محمد الرقاد وأصحاب الهمم العالية لا يرحلون هكذا بسهولة حتى جاءنا النبأ الفاجعة.. بغياب الرجل الصالح البار أبيض اليدين الذي لم يرد سائلاً ولم يعرض عن تقديم يد العون لكل محتاج ومسكين ولم يتوان عن دروب الخير يوماً من الأيام، فازدنا ايمانا وتصديقاً وتذكرنا قول الباري عز وجل {اذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون} صدق الله العظيم. فنقول وقلوبنا تتفطر آلماً لفرقك يا سيد الرجال الأوفياء المخلصين لأوطانهم، لقد تركت برحيلك أيها البار لوطنك وأهلك ذكرى مؤلمة لكل من عرفك أو سمع عن مناقبك طيبت الذكر والأثر ، واستحققت الثناء من الجميع دون استثناء، فقد كنت من الرجال المؤمنين الفاضلين الساعين لأعمال الخير، تساعد الفقير المحتاج ولا تعرف يمينك ما تنفق شمالك وكنت تسعى دون كلل لمساعدة من يستحق المساعدة ومن يطلبها منك دون تردد.إنك من الرجال القلائل الذين يتركون حزناً كبيراً أبدياً في قلوب محبيهم، وقد تركت حزنا كبيرا في قلوب محبيك لفقدان وغيابك عن مجالسهم ، فأنت رجل أفعالك ومآثرك تحكي عنك مجداً وفخراً ، قل أن يجود الزمان بأمثالك.
ورغم معرفتي لشخصك الكريم لفترة لم تطل رحمك الله، لكنني عرفتك من خلال إنجازاتكم وتفانيكم في مواقع المسؤولية التي إعتلتيتم منصاتها فعملتم وأنجزتم وأبدعتم فكانت إحدى علامات تميزكم في مسيرتكم الزاهية بالعطاء والإخلاص الذي هو علامة فارقه في تاريخكم... وتعلمت منها الكثير..وانني لم أعرفك الا رجلاً متواضعاً سامي الأخلاق عابداً باراً متصدقاً تقياً صالحاً ورأيت تلك الهالة البيضاء تحيط بك.... تلك الهالة المتوهجة من عظيم الايمان والتقوى والتي لا تظهر الا حول القلائل من الرجال التقاة العباد وذوي النوايا الطيبة تجاه الجميع.
فالى جنات الخلد أيها الحنون القائد العطوف في مكانة الأب عندما يتطلب الأمر التوجية والتربية والتعليم وبمكانة القائد عندما يتطلب الأمر للحزم والانضباط للوصول إلى الشواطيء الآمنه ونركن إليها... وبمكانة الإمام العادل عندما يتطلب الحال الوعظ والإرشاد والتوعية..وبمقام المعلم الأمين لنقل العلم والمعرفة والثقافة للنهوض بالتنمية والنهضة والتحديث في مواقع المسؤولية... فهذه محطاتك الإنسانية لا تُنسى ويمحيها الزمن بسهولة، هكذا نراك كتاب عميق المعاني. .فأنك وان رحلت من دار الفناء الى دار البقاء، فان ذكراك العطرة ستبقى راسخة في قلوب محبيك، وانك ستجد أعمالك الخيرة في ميزان حسناتك باذن الله تعالى.سنفتقد صوتك، كلماتك، شهامتك، انسانيتك، كرمك وصورتك البهية الراسخة في ذاكرتنا..
نم قرير العين أيها القائد الحنون أيها المعطاء البار لكل من عمل معك وتشرف بصحبتك أو عاصرك يوماً من الأيام.
نم قرير العين وباسط اليدين فأعمالك خير دليل على كرمك وشهامتك وعطفك وتقواك.
نم قرير العين يا صاحب المواقف النبيلة فخصالك الكريمة لا يمكن ان تعد أو تحصى ولا يمكن ان يكتبها قلمنا والاحاطة بها لكثرتها وجمالها الأدبي والأخلاقي ، فقد كنت قيمةً عظيمةً أضاءت حياتنا بالوفاء أيام العتمة الشديدة.. وسوف تظل تعكس ضياءها طول العمر...
نم قرير العين أيها الحكيم بالقيم الراقية فلقد تركت بيننا من نهل من سمو تربيتك واستمد من كرم أخلاقك الكثير، وكما يقولون لا تموت ذكرى رجل خلف وراءه أنجالاً كراما نهلوا حسن التربية وتزينوا بعظيم الاخلاق من مدرسته وهم لن يتوانوا عن اكمال مسيرتك والتحلي بخصالك الطيبة التي لا ينافسكم بها إلا الرجال العظام أمثالكم وهم كثر الحمدلله تخرجوا من مدرستكم العريقة ومجالسكم ذات الأرث الحضاري والعشائري ممن زهى تاريخ الأردن بها كمنارات في القيم الإنسانية .
وداعاً أيها الرجل الشيخ الباقي في قلوبنا وفي ذاكرتنا..
يا راحلاً عن هذه الدنيا وتاركاً...
ذكراك باقية وأنت مخلدُ
قد لا نراك ولا ترانا انما..في القلب رسمك لم يزل يتجدّدُ.
وفي الختام نقول بأن كلماته رحمة اللة عليه كانت دائما كالورود تهبط على الناس فإن لم يكن لها شذى طيبا يُسعدهم فلم يكن لها اشواكا تؤلمهم ، ونقول عنهُ أيضا بأن الغائبون يظنون أننا لا نراهم ..هُم لا يعلمون أن للقلب عينان.. الأولى حنين ، والأخرى إنتظار فالكبير إسمه يدل عليه..فالشيخ الرقاد هو الشخص الذي يقال عنه في كل المجالس عند ذكر أفعاله الدنيا بخير..
فنسأل الله العظيم ونبتهل إلية أن يرحمة ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويجعل قبره روضة من رياض الجنة بفردوسها ونعيمها ومأوه.