ما زلنا وسنبقى نحتفل نحن الأردنيين ومؤسساتنا الوطنية بكل فخر واعتزاز بالمئوية الأولى من عمر دولتنا الأردنية الغالية على قلوبنا جميعا، وفيها حقق وطننا العزيز بقيادة الهاشميين العديد من الإنجازات في المجالات التنموية والتعليمية والصحية والأمنية والشباب والمرأة وغيرها، كما حقق الحرية والإستقلال برغم التحديات والصعوبات التي واجهته في ظل شح الموارد والحروب العالمية والإقليمية خاصة القضية الفلسطينية، وأصبح أنموذجا يحذى حذوه في الإقليم وعنصرا فعالا في أمنه واستقراره، وحضوره العالمي المؤثر ودوره في حل المشاكل الإقليمية بفضل قيادته الهاشمية.
في المئوية الثانية سنبقى نحن الأردنيين من مختلف المنابت والأصول كما كنا على العهد، نجدد البيعة والولاء والانتماء للهاشميين ما حَيينا، وسنبقى شعبا واحدا يحمل هُوية عربية إنسانية واحدة، مخلصين لقائد المسيرة ورؤيته المَلٍكِيّة، للمحافظة على أمن واستقرار الوطن وتعزيز الثوابت الوطنية والعربية والإنسانية والثقافية، وتحقيق المزيد من رؤى جلالة الملك للأردن وشعبه وللعرب وللقضية الفلسطينية.
وبهذه المناسبة القيّمة، لفت نظري إعلان لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتسمية فوج الخريجين للعام الجامعي الحالي باسم فوج خريجي مئوية الدولة الأردنية ووضع الشعار الرسمي المعتمد لهذه المناسبة على المصدقات الجامعية وعلى الجداريات لخريجي هذا الفوج إحتفالا بمئوية الدولة الأردنية، (1921-2021) إضافة إلى تعميم وزارة التربية والتعليم بوضع شعار المئوية أيضا على جدران المدارس الداخلية والخارجية وبث الأغاني الوطنية عبر إذاعات المدارس، مع الالتزام بتعليمات السلامة العامة والتباعد الجسدي.
كم هو جميل ومُهم أن تتبنى الوزارات مستقبل الأجيال وتعزز فيهم قيم المواطنة الصالحة التي تقوم على تطوير مهاراتهم وإطلاق طاقاتهم المخفية، لتبقى الدولة عامرة مزدهرة متقدمة بين الدول بالعمل المتميز الصادق والقيام بكل الأدوار المطلوبة وتحمل المسؤوليات والواجبات، فالتربية والتعليم هي تربية الأجيال على الاعتزاز بالوطن ومقدراته ومنجزاته وتأريخه المشرق، والذين أسهموا في بناء هذا الوطن بما غرسوه في الأجيال من قيم تربوية وحضارية وفكر وعزيمة وعِلم، هم المعلمون… فالمعلم الأردني له دور كبير وملاحظ في بناء الوطن لتقديمه الأفضل ولتذليل التحديات والصعوبات للأجيال وتمكينها من التكنولوجيا وأدوات المعرفة، والأستاذ الجامعي القدوة لطلابه وللأجيال عامة الذي له الدور الأكبر في بناء المستقبل المشرق وتعزيز عمل المعلمين من غرس تلك القيم وتأهيلهم للحياة العملية بعد المرحلة الجامعية.
النظام التعليمي في الأردن حقق إنجازات كبيرة خلال الفترة السابقة، فالتعليم أصبح يعتمد على تنمية مهارات التفكير والقدرات العقلية للطلبة، وتشجيع الإبداع والابتكار، وتحول إلى تعليم نوعي مبني على إدارة المعرفة لا على كيفية اكتسابها، لأن إيجادها أصبح متاحا في كل مكان، وجاء هذا تطبيقا لرؤى صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وما أطلقه في الورقة النقاشية السابعة تحت عنوان (تطوير التعليم كأساس للإصلاح الشامل)، وما اندرج تحته من تشجيع لغة الحوار، وتقبل الرأي الآخر، وضرورة التنوع الفكري والثقافي، والبعد عن التردد والخوف من التطوير، ومواكبة التحديث، مقتبسًة من الورقة النقاشية؛ قول جلالته:” إن التعليم يشكل أرضية مشتركة لفهم الآخر، وتعميق قيم التسامح بعيدا عن الغلو والتعصب، كما أن تحقيق الإصلاح الشامل يرتبط إرتباطا وثيقا بالنهضة التعليمية مهما كانت الظروف والتحديات”.
ومن هنا نجد أن جلالة الملك حفظه الله، تبّنى مفهوم التعليم الحضاري وتطويره بما يتناسب مع تطورات العصر لنكون سباقين في التنافس العالمي الذي يمكنّنا من الوصول إلى القِمَم، وهذا لن يكون إلآ بالبعد عن التعصب والخوف من التطوير والتغيير والتردد، لمواكبة التحديث المستمر وضرورة التنوع في الفكر والرأي الذي لا يفسد للود قضية، وبناءً عليه واستنادا إلى رؤى جلالته، سيكون التعليم الركيزة الأساسية للبناء والعمران لأن تقدم ورقّي أي بلد لن يكون إلآ بنوعية التعليم والثقافة ونوعية الأجيال الواعية المدركة لأهمية المعرفة والتكنولوجيا والتنوع الفكري.
بعد أن كانت السمة الأساسية في المجتمع الأردني الهدوء والترابط، لم يكن للفوارق الإقتصادية أثر كبير لتأثيرها المحدود وتركزها بفئة قليلة، تغيرت من بعد عمليات التطور الاقتصادي والصحي والتعليمي، وكان بناء الدولة يعتمد بداية على المعلمين ومنتسبي القوات المسلحة الذين ساعدوا بتعليم وتوفير البنية الدراسية لأبناء البادية مع حمايتهم، لأن أبناء الوطن خرجوا ببعثات الى الخارج وعند عودتهم شاركوا ببناء الوطن ونهضته التعليمية. وبعد الحروب الإقليمية وتوافد اللاجئين توسعت وتطورت البلاد في مواجهة التدفق السكاني الجديد الذي رافقته نهضة عمرانية وإنشاء الطرق والمدارس والجامعات، وفي ظل الثورة الصناعية الحديثة تعددت الثقافات وأصبحت العولمة هي اللغة الأكثر شيوعا، وأصبجنا أمام خيار وحيد لا ثاني له.. وهو أن يكون وطننا بأفضل حال ونعمل على تحقيق الرؤى الجديدة التي تُبعد عنا الفشل والإنزلاق بالماضي الضعيف، فإما نكون أو لا نكون… لذلك تطورت المناهج بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتسابقنا في إنشاء الجامعات بعد أن كانت الجامعة الأردنية التي أُسّست في عام 1962 هي الجامعة الوحيدة، إلى 10 جامعات رسمية و16 جامعة خاصة بعد أن أُسّست جامعة عمان الأهلية أول جامعة خاصة، و 44 كلية مجتمع وكلية جامعية إضافة إلى جامعة إقليمية وجامعتين أُنشئتا بقانون خاص، وإزدادت أعداد الطلبة بالجامعات مئات الأضعاف، وأصبحنا نعتمد على التكنولوجيا والتعلم عن بعد بعد أن كان حُلما، وبغض النظر عن سلبيات التعليم عن بعد ومزاياه إلآ أنه أثبت أنه لغة العصر والعالم، ومن دونه سنتوقف، ومن خلاله سنقفز إلى العالمية … وبه سنسابق الزمن …
وعند الحديث عن مخرجات التعليم فحدث ولا حرج، فقد أصبح الأردن من مصاف الدول الأولى في القضاء على الأمية، حيث لامست النسبة المئوية الصفر تقريبا في محو الأمية، وكذلك إزدياد أعداد الحاصلين على الشهادات الجامعية العليا من الماجستير والدكتوراة ومختلف التخصصات العلمية والأدبية والطبية والعلوم الإنسانية، إضافة إلى نوعية البحث العلمي الذي لاقى دعما كبيرا من مختلف الجهات.
لا بد لنا أن نتكيف مع ما فرضته الظروف من حولنا، ونحول التهديدات إلى فرص متاحة، فجائحة كورونا برغم قساوتها وتغييرها لسلوكاتنا وسلبياتها وإغلاقها للكرة الأرضية لفتره من الزمن، إلآ أنها ساعدتنا على فهم العالم وخفاياه بطريقة روحانية وعلمية والتكيف والتأقلم مع المستجدات لكي لا ننصدم ونعيش في كهوف الجهل.. فالوطن هو الحاضنة الأساسية هو الحضارة، والتأريخ هو المستقبل والملاذ الآمن، والوطن هو العلم والمعرفة، وهو الأمن الوطني والاستقرار المجتمعي، حفظ الله مليكنا ووطنا وشعبنا الأردني الأبي.