حمّل جلالة الملك عبدالله الثاني رسالته التي وجهها لمدير المخابرات العامة يوم أمس بالكثير من المعاني والدلالات التي يمكن قراءة كل منها بتمعن وإدبار ما يمكننا من القول أنها كانت مجموعة من الرسائل الشاملة اختزلتها حكمة الملك ورؤيته في واحدة مليئة بما يمكن التوقف عنده أولها اعتبار الرسالة الملكية تكليفاً جديداً لمدير الدائرة وثقة بكافة منتسبيها وتوصيفاً للملامح والمحددات الرئيسة التي على الدائرة النهوض بها والتفرغ لها في ضوء ما حدده القائد لها والتي هي أهل لها كما كانت على الدوام محط ثقة القيادة في اسناد جهود حفظ أمن الدولة واستقرارها والحفاظ على ممتلكاتها وثرواتها ومقدراتها.
وإذ استهل جلالة الملك رسالته بتحية اعتزاز خاص بفرسان وفارسات الحق الذين اجزلوا العطاء للوطن من عاملين ومتقاعدين فإن ذلك يندرج في إطار توكيدات جلالته التي ما فتئ يجسدها في المشهد الأردني ومضمونها اكبار وتقدير البناة من رجالات الوطن في كافة مواقعهم وعبر مراحل مختلفة حتى بلغت مملكتنا الأردنية الهاشمية ما بلغته من رقي وتقدم في مختلف المجالات ووصلت بالروح الأردنية الوثابة إلى مشارف المئوية الثانية بكل قوة وعزيمة وإصرار وهو ما سترتكز عليه في مئويتها الثانية بعون الله وما يتطلبه ذلك من مزيد من العمل الجاد والدؤوب من مؤسسات الدولة كل حسب اختصاصها بما فيها دائرة المخابرات العامة.
بين معاني رسالة الملك تبرز أهمية مضي المخابرات العامة في مواكبة أحدث مستجدات العمل الاستخباري والتي عرف عنها الاحترافية العالية فيه وهي لا شك سوف تلتقط إشارات الملك الواضحة وتتفرغ لهذا المفهوم الذي يفرض عليها التصدي لمكافحة الإرهاب وكل ما يعترض مسيرة الوطن ويشكل خطرا على أمنه واستقراره وسيادته ليظل كما عهد العرب به واحة أمن وبيئة جاذبة للاستثمار وللمستثمرين من شتى بقاع العالم والباحثين عن مظلة آمنة تمكنهم من استثمار أموالهم والعيش في مجتمع يحفظ حقهم وعائلاتهم في الحياة ولا يتسبب لهم أحد بخطر أو يلحق بهم أذى لا قدر الله.
توجيهات جلالة الملك لا تأتي جزافا إنما هي تعبر عن دقة قراءته ومتابعاته لكل شاردة وواردة على أرض المملكة وعندما رأى حفظه الله أن ما كان يشغل جزءا كبيرا من وقت الدائرة في مكافحة الفساد ومراقبة المال العام قد اصبحت له مؤسسات قائمة بذاتها تنهض بما يوكل إليها ضمن اختصاصاتها فإن ذلك يؤكد أهمية استثمار دائرة المخابرات العامة للتفرغ لاختصاصاتها وتطوير مقدراتها وكل هذا اعتزاز من الملك وتقديره للدور الكبير الذي استودعته الظروف وتعقيداتها في ذمة المخابرات منذ نشأة الدولة.
إلى ذلك فإن رسالة الملك وإن كانت مخصصة أمس للمخابرات العامة فإنه يمكننا اعتبارها توجيها ملكيا عاما لمختلف مؤسسات الوطن كي تنهض بمسؤولياتها حسب اختصاصاتها وتشعب مهامها لأن هذا النهوض المدعم بالاخلاص وصادق الإنتماء هو جوهر ما يحتاجه الوطن في هذا الوقت الذي يواجه فيه تحديات جسام لا يتجاوزها إلا بمقدار رغبة الجميع بأن تظل التجربة الأردنية فريدة من نوعها في المنطقة والإقليم والعالم.
خلاصة القول أن دائرة المخابرات العامة تتجه نحو مرحلة جديدة من أداء رسالتها المقدسة بعدما حدد لها جلالة الملك بوصلة اتجاهها وهي مرحلة تعتبر استمرارا لحلقات النجاح في المهام التي لم تنوء بحملها منذ تأسست وأريد لها أن تكون في واجهة أجهزة الدولة التي تحافظ على منجزاتها وتتصدى بحزم لكل محاولات الطامعين بها والمتربصين بانجازاتها..فعلى بركة الله.