ترعرعت في بادية المفرق، وكان كل شيء من حولي بسيط، فالناس بسطاء، والخدمات بسيطة، كلنا نعرف بعضنا البعض وبيننا مودة وكنت اشعر بنعمة ما بعدها نعمة على هذا الاستقرار والمحبة والتأخي بين اهل قريتي الصغيرة البسيطة في بادية المفرق.
كبرت وبدأت أعي الحياة من حولي وأعي كم اننا محرومون من خدمات تعد لا تذكر في عمان كالصحة والتعليم وكافة البنى التحتية والكوادر الادارية الكفؤة التي تعد من اساسيات اي دولة في القرن الواحد والعشرون، وعلمت حينها ان الاردن هي عمان وان كل من خارجها في غربة.
فوزارة الصحة على سبيل المثال لا الحصر، تقوم بأرسال الطبيب المستجد لقريتي البسيطة وناسها الطيبين الذين رفعوا الاردن على اكتافهم لكي يأخذوا خبرة يعودوا بها الى اهل عمان او "الاردن" لنكون اكثر دقة، يقضون ايامهم خلال سنوات الخبرة في مركز صحي متهالك دواءة الوحيد "كبسولات حمر" وجهازه الاكثر تطورا جهاز فحص ضغط يدوي، وميزان حرارة.
كذلك مظاهر الامن التي نراها في "الاردن" تكاد تكون مغيبة في قريتي وكل قرى ومحافظات الاردن من شماله لجنوبه، فالمركز الامني بسيط وعتاده ابسط ومدير المغفر رجل بدوي بسيط يرتدي زي امن البادية الاخضر ويعرفه الناس كافة ويزورنه في المغفر البسيط وكأنه واحد من اهل المنطقة، على عكس عمان التي تنشط بلأمن ومظاهره التي تشعر انها في احيان كثيرة لا تتعدى عن كونها تفاخر بتحظر الدولة بينما القرى والبوادي لا تزال في مطلع السبعينات من القرن المنصرم.
ويتسأل بعدها احدهم: لماذا لا نرى اي مصيبة جلل تحدث الا في المحافظات؟
فهل الاهتمام المطلوب والكفاءات البشرية والادارية والعناية الصحية والتعليمية والامنية محصورة بالعاصمة عمان فقط؟
احداث السلط الارهابية قبل بضع سنوات لم تكن لتحدث تحت اي ظرف في عمان نتيجة الاهتمام الامني الكبير بها، احداث قلعة الكرك التي لم يكن بمغفرها عتاد اسلحة كافي لم تكن لتحدث في عمان، طريق بغداد في بادية المفرق الذي يحصد ارواح المئات، معان وبواديها التي ينهش الفقر والبطالة وقلة الاهتمام باهلها الكرام، البادية الوسطة والبلقاء التي تعد الاقرب لعمان ايظا تعاني، فهل يا ترى انه من الاولى ان يعبد طريق باربع مسارب بعبدون لكي يمر به اشخاص يزورون الاردن كل سنة مرة واحدة كالسياح، ام ان ابناء شهداء معارك الاردن وعامود الاردن الفقري اولى بان يوقف نزف دمائهم بانصافهم بالخدمات؟
اكاد اجزم ان فاجعة السلط الاخيرة ما كانت لتحدث لو ان المشفى كان بعمان وتحت نظر اصحاب المعالي والعطوفة، فنحن لسنا مواطني درجة ثانية لنأخذ خدمات منقوصة وادارات بالية ومهترئة لم تصلح لعمان فقرروا رميها على المحافظات.
اسأل الله الرحمة لمن نحتسبهم عند الله شهداء، وأسأل الله ان يعين كل ذي مسؤولية على انصاف كافة محافظات الاردن التي انهكها التسييب الاداري والاهمال المتعاقب.