المتابع للشأن المحلي في الأردن يستطع أن يدرك تماما أن ما اصبح عليه المشهد الحالي في الأردن لم يخلق من رحم الصدفة والفطرة كما بدأ من امام مستشفى السلط، بل من رحم التخطيط الممنهج واستغلال الثغرات واستثمار نقاط الضعف التي تمر بها الدولة الاردنية للإطاحة بها وبمؤسساتها ودب الرعب والفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي فيها وتهديد الأمن الوطني والنظام السياسي ككل.
فما حدث في مدينة السلط مؤخرا لا يمكن لمواطن أن يختلف مع اخر على وصفه بالفاجعة والجريمة اللانسانية التي تستحق المسائلة وتستوجب العقاب لكل مسؤول له علاقة بها، ولكن دعونا نتسائل عن الانقلاب السريع في بوصلة ردة الفعل الفطرية للجماهير على الفاجعة، والانحراف عن مسارها ودخولها لمسار اخر تم توظيفه سياسيا ضد الدولة ونظامها السياسي وشعبها الطيب الاصيل.
فقد كانت ردة الفعل الجماهيرية فطرية وطبيعية وصورة ناصعة البياض بريئة أظهرت لنا حجم الحب والانتماء والتعاون والاخاء والتعاضد في صف واحد بين الاردنيين من كافة المناطق والمحافظات المختلفة، ولكن سرعان ما تلوثت هذه الصورة الناصعة بسموم الاعداء المتربصين لأي هفوة او خطأ ليستغلونه كـ ثغرة للدخول والعبث بالأردن وأمنه الاجتماعي والوطني، خاصة بعد زيارة جلالة الملك المفاجئة لمستشفى السلط ووقوفه جنب ابناء وأهالي السلط والتوعد بمحاسبة الفاسدين وغضبه الشديد حينها والذي لم يسبق لنا أن رأينا جلالته بهذا الغضب من قبل.
التلوث بدأ بدخول مواطنين ملثمين مجهولين الهوية للتجمع الذي نفذه المواطنين أمام مستشفى السلط، حيث كانت الشعارات حينها تمتاز بطابع العفوية الشعبية الاردنية الاصيلة، تطالب بمحاسبة الفاسدين واقالة حكومة الدكتور بشر الخصاونة ومحاسبتها على هذه الفاجعة، وما لبث الأمر حتى تحولت فجأة الشعارات من عفوية الى سياسية يعود معظمها لحركات وتيارات معارضة للنظام السياسي وسبق لها أن عرضت الاردن والاردنيين للكثير من المخاطر الأمنية والاجتماعية على الصعيد المحلي والخارجي، اضافة الى اضرام النيران في اطارات الكاوشوك في الشارع العام، ولم يستمروا طويلا في شعاراتهم المسيئة وسلوكياتهم الممنهجة حتى تم طرد هؤلاء الملثمين من قبل ابناء السلط الأبية .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ولم يكترث هؤلاء لما يمر به الأردن من تفاقم في أزمته مع فيروس الكورونا المستجد، والذي ارتفعت فيه اعداد الاصابات بشكل كبير مؤخرا وقبل فاجعة السلط، فقد تم تفعيل الخلايا النائمة في عدد من المحافظات المختلفة خاصة من اتباع الحراكات والتيارات المعادية للأردن، والمعروف للجميع طبيعة امتداداتهم السياسية والفكرية، ومن يغذيهم ويمولهم خاصة من اتباع سفارات واستخبارات بعض الدول التي لا تألوا جهدا في العبث بالميزان الاجتماعي والامني للأردن، واستخدام عدد من نشطاء التواصل الاجتماعي لتحريض المواطنين على الخروج للشارع والتظاهر واستغلال حاجة الناس وضعفها والوضع السيء الذي يمر به الاردن خاصة على الصعيد الاقتصادي، واستثمروا الضغط من خلال العامل النفسي والعاطفي للمواطن.
وتزامنا مع ما يحدث، بدأت من جهتها الحركات التنظيمية التابعة والمنبثقة عن عدد من التنظيمات السياسية والحزبية الاقليمية والدولية، ببث فيديوهات مصورة تم انتاجها بطريقة احترافية ذات طابع ثوري تحمل في مضامينها دعوة على اثارة الفتنة ضد النظام السياسي، والتحريض على الدولة ومؤسساتها الامنية، وبث بيانات صيغة بصبغة التنظيمات السياسية المعارضة للنظام السياسي الاردني والدولة الاردنية بشكل عام، ولم تحمل في صورتها صبغة البيانات ذات الطابع الشعبي الجماهيري العفوي، مستغلين فاجعة السلط وأوجاع المواطنين وهمومهم والأزمة التي تعصف بهم لبث سمومهم التي اطلقوا عليها مطالب شأنها هدم الأردن نظاما وشعبا وجعلها فريسة سهلة على طبق من ذهب أمام المتربصين من الاعداء.
في الجهة المقابلة المواطن الأردني ليس جاهلا كما يدعي اصحاب التيارات السياسية والفكرية المعارضة، وثلة المعارضين من الخارج والداخل، و إذ أنه باتت كل سلوكيات الحراكات التخريبية مكشوفة امامه ويعلم امتدادات هذه الثلل ومصادر تغذيتهم، ويعلم تماما كيف تقوم هذه الحركات والتيارات باستغلال الأزمات والتصيد للثغرات ونقاط الضعف، ويعلم تماما ما فعلت هذه التيارات خاصة الحزبية الاقليمية بالدول المجاورة وما اصبحت عليه شعوبها المهجرة وبعد خراب ودمار بلدانهم.
المواطن الاردني بات مواطن مثقف ومتعلم، ويعي تماما متى يستخدم عقله وكيف يستخدمه، ويعلم حق العلم أن الاردن محاط بالذئاب الجائعة المكشفة انيابها تنتظر في أية لحظة ضعف للإنقضاض على فريستها وقتلها بدون رحمه ومحور تاريخها واحتلال ارضها، ومؤمن ايمان مطلق أن الأردن صمام أمان للمنطقة العربية برمتها وأن القيادة الهاشمية تلعب دورا محوريا هاما بالرغم من كل الضغوطات الخارجية لصلابة موقفها من قضية الأقصى، وتتالي والأزمات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بها .