العباطة من أسواء الطباع. والاصابة بها أكثر خُطورة، وانكدُ على العيشِ من الاصابةِ بمرضٍ خبيث.
أنواعُ العباطةِ اكثرُ عدداً مما رسخ في قناعات الغالبية من الناس، وما يتبادر عادة الى أذهانهم. وعلى الرغم من فظاعة العباطة وأَبعادها وآثارها، فإنها لم تنل الاهتمام الكافي من التحليل من قبل المختصين كل في مجاله. وفيما يلي نُبذةٌ عن بعض مظاهرها التي تغطي مناح كثيرة من حياة الشعوب ولكن بدرجات متفاوتة.
-عباطة الايدولوجية السياسية: المثال الاول عليها يقدمهُ الناخبون الاسرائيليون المعجبون بنتنياهو رغم أنه ملاحق قضائيا بعدد من تهم الفساد. ومع ذلك يعاودون انتخابه المرة تلو المرة.
المثال الثاني، قدمه المعجبون بالرئيس ترامب والذين صوتوا لاعادة انتخابه، وعملوا الفظائع لنصرته بعد هزيمته. وكذلك المعجبون لدرجة العبادة بصدام حسين الذي لم يحصد غير الهزائم والاندحار، وجلب التدمير المتكرر لبلاده وبلاد العرب والمسلمين، إضافة الى استبداده وجرائمه بحق الانسانية.
-العباطة الفكرية. وتتمثل بتبني مذهب اقتصادي او فلسفي او سياسي لدرجة مخاصمة المخالفين مخاصمة تصل الى حد الشقاق والطلاق، وانكار سلبيات الفكرة وسقطاتها، والاصرار على تسويق ايجابياتها فقط. ومن بين اوضح الامثلة، مواقف الشيوعين، والبعثيين، والنازيين، والاخوان المسلمين، والدواعش، والليبرالين، والوهابيون، واليمين الغربي المتطرف.
-العباطةُ الغراميةُ، وما يصاحبها من إصرار. عندما يُحِبُ شَخصٌ شخصةً، أو تُحبُ شخصةٌ شخصاً حباً اعمى قبل النظرة الاولى بفترة سنة، أو حتى بعد النظرة المائتين، وينجمُ عن ذلك الحبِ الطفولي أو السينمائي زواجٌ مؤلمٌ واطفالٌ لأسر مفككة، لأنه تم استبدال منطق ونصائح الاهل بمنطق العباطةِ.
-عباطةُ المنهج: رغم عدم توقف منتقدي منهج تشكيل الحكومات في الاردن، بل وتزايد عددهم باضطراد ، الا أنه يبدو أن قوة تأثير من اقترح هذا المنهج أول مرة اقوى من ارادة جميع العقلاء وجميع من لديهم حسٌ وطني وغيرةٌ على وطن ضاع ماضيه، وحاضرٍ يضيع ايضا، ومستقبل سيضيع. هذا المنهج العبيط لم يستطع احد فهمه او استيعابه او تقبله.
منهج تشكيل الحكومات هو في الحقيقة منهج تخريب الحكومات ودق الخوازيق فيها من اول يوم لتشكيلها. ومع ذلك تستمر المسيرة ويصفق عبيطون لهذه العباطة التي اصبحت من العلامات المميزة والثابتة للاردن كبركة الببسي، والدين العام، واستجداء العون، والانحناء لاصحاب اليد العليا.
ظاهرة العباطة هذه التي تقضم التاريخ كما تقضم سوسة النخل النخل، اصبحت تضر من يتبناها ويصر عليها معاندا ومكابرا. فقد انتجت منهجا مضادا يتبنى الانتقاد المزعج والمؤذي حتى اصبح الصديد يسيل منه.
-عباطة الحكومات. تحلفُ الحكومات في الاردن، اغلظ الايمان لتقنعنا أنها تعمل لمصلحة الوطن، واضعة يدها ليس على المصحف او الكتاب المقدس، وإنما على كتاب قانون الموازنة العامة، أو على ملف اتفاقات الدين العام والافلاس المنتظر. بينما يُقسمُ الشعب من جانبه على القرآن والكتاب المقدس أن الحكومة لا تعمل. وكذلك تحلف وتشهد مؤشرات الاداء العام وغيابُ الانجازات ان أداء الحكومات سلبي، ومخرب، ومرعب، وأنها لا تعمل لمصلحةِ الجهةِ مصدر السلطات، لأنها ملخبطه بمن هو مصدر السلطات. قَسَمُ الشعبِ المقرونِ بالشواهد والاثباتات اكثر مصداقية من قَسمِ الحكومة، ومع ذلك تأبى عباطة الحكومات ان تعترف انها لا تعمل، وإن كانت تعمل، فإنها تعمل لمصالحها..
-عباطةُ القانون: يزعمُ واضعوا قانون الانتخاب انه قانون حديث وعصري وديموقراطي ويليق بالاردنيين. ويؤكدُ الاردنيون من جهتهم ان قوانين الانتخابات، حديثة وعصرية ولكن من حيث تواريخ سنها ونشرها في الجريدة الرسمية فقط، وليس من حيث توافقها مع قوانين الانتخابات في الدول المتقدمة الديموقراطية. يصيح الاردنيون من تزايد مساحة الاستبداد الذي اصبح يقضم جزر التوافق والتصالح كما يغشى الليل النهار. قوانين الانتخاب المتتابعة قديمة قدم الاستبداد .
كما ان القوانين الناظمة لحقوق الاردنيين وحرياتهم هي قوانين ظالمة لهم وظالمة للدستور لأنها لا تتوافق مع نصوصه ومقاصده. ولذلك لا يمكن لهذه القوانين البقاء والتطبيق لو كان من حق الافراد والجماعات والمنظمات الطعن بها أمام محكمة دستورية حرة لا يُختار اعضائها بنفس آلية اختيار اعضاء مجلس الاعيان والوزراء ورؤساء مجالس الادارات والهيئات، لأن مواد هذه القوانين وتطبيقاتها تحكي بالفم الملآن أنها لا تسعى لمأسسة الديموقراطية.
-عباطةُ النفاق: الناس عموما يعرفون معنى النفاق ومدلولاته. واكثرهم معرفة له المسلمون الذين يقرأون القران، نظرا لكثرة الايات فيه عن النفاق. كما يعرفه ايضا الذين يقرأون الشعر العربي خاصة اشعار المديح واشعار صناعة التاريخ المزور لمعظم من حكموا العرب. ومع ذلك لا يرعوي المنافقون عن نفاقهم، ولا يرعوي المُنَافقِ لهم عن سماع النفاق ويُصَلون من اجل ازدياد عدد مواسم تفريخ النفاق.
-عباطة المعارضين: تزامن نشوء المعارضة في الاردن مع نشوء الكيان السياسي الاردني وهذا امر طبيعي وجيد. ولكن مصدر عباطة المعارضين هو عدم يأسهم. ليس من المعارضة من حيث المبدأ والمبررات لها، ولكن من صبر وصمت الشعب الاردني وعدم اهتمامه وتقديره لجهودهم وعذاباتهم ومعاناتهم. فالشعب الاردني لم يتوقف عن توريط انماطٍ عدة من المعارضين. بعضهم من ذوي الضمائر الحية. وطنيون احرار صادقون. وبعضهم معارضون من ذوي المؤخرات الحية التي اثبتت اكثر من نيوتن قانون الجاذبية للكراسي التي تحولت الى مراسي. وبعضهم من ذوي الحسابات البنكية الحية الجائعة التي لا تشبع.
وهناك معارضون خونةٌ لمبادئهم، أو خونةٌ لوطنهم أو جواسيس. اكثر من نصف المعارضين هم مُجردُ مشاغبين مؤقتين برسم البيع.
لا يتوقف الشعب الاردني عن التذمر والشكوى، ولا يتوقف عن مقارنة وضعه المعيشي مع حال الشعوب الاكثر غنى أو الاكثر تقدمية وتقدما، ولا يتوقف الشعب الاردني عن ابداء رغبته بأن يتحسن حاله سياسيا واقتصاديا وامنيا ومعيشيا، وحقوقا وحريات. ولكنه لا يتوقف ايضا عن النفاق لمن يسلبه كل ما يتمناه، ولا يتوقف عن ذم أو التخلي عمن يطالبُ له ويدافع عنه ويضحي من اجله.
المعارضة الوطنية الصادقة النظيفة عبيطة، لأنها لا زالت تتصف بصفاتها الايجابية غير المنتجة، ولأنها لم تبع من باع نفسه للهوان بأبخس الاثمان.
-عباطة البيروقراطيين: تتجلى عباطة البيروقراطية في تعاملها مع المواطنين الذين يراجعون الدوائر الحكومية. المواطنون هم من يدفعون رواتب هؤلاء الموظفين من ضرائبهم الشتى. نادرا ما تكون استجابة الموظفين ايجابيه. فبدلا من أن يسمع المواطن الجملة التي يقولها المتحضرون في الدول المتقدمة للمراجع: , What can I do for you, How can I help you
شو ممكن اقدم لك، كيف بقدر اساعدك؟ يُسمعُ كلمات مثل ابيش، ممنوع ، ما بصير ، والله ما بتضبط، المدير في اجتماع، القانون لا يسمح، الشروط لا تنطبق، تعال قبل سنه، مش أبل سنه، هذا مش شغلنا ، روح على الوزارة الفلانية.
مسموحات القوانين والانظمة يتم تأويلها كما أول المفسرون شخصية ذو القرنين وقوم ياجوج وماجوج.
- عباطةُ التدين. "هناك فرق بين الدين والتدين". لا زال هناك اشخاص كثر يحاولون اثبات انهم الاكثر تدينا وصلاحا، وبالتالي يستحقون الثقة العمياء والاحترام لمجرد أنهم يبالغون في ممارسة الطقوس الدينية المُشاهدة. هذا الزعم ومستحقاته تدفع بالناس لتقليدهم والمباهاة بما يفعلون، رغم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الممارسات المُنهكةِ والمتعبة والتي لا طائل من ورائها، حيث قال "ما حاد الدينَ أحدٌ الا غَلبهُ". " إن الله لا يمل حتى تملوا". ورغم الوصف الذي اضفاه الرسول على جماعات المتشددين الذين نبه الى أنهم سيظهرون بعدهُ، وفعلا ظهروا في عهد الخليفة علي بن ابي طالب وعانى منهم الامرين، واصبح يطلق عليهم الخوارج. وهذا ينسحب على كافة عبطاء التدين في كل زمان ومكان. عباطة التدين موجودة في جميع الاديان