بكل البعد عما نهِلَ بعلم الطب ومن خبرة عالمية بأكبر المشافي لم يستطع صديقنا النِطاسيُ إلا ان يعبر عن ذهوله لتجربته الجديدة التي مارسها وما زال من خلال الخمس سنوات الماضية في عيادته الخاصة، فبعد الشوق والحنين للوطن والحرص على عودته مع كريماته الأربع آمِلاً أن يُيسر الله لهن سبل الزواج من أصحاب الخلق الرفيع ممن سيكرموهن وسيصونهن، يتحدث اليوم وبكل ألم عن هذه التجربة الخارجة عن نطاق خبرته وعلمه.
يذكر هذا الطبيب الإنسان عن تعجبه من قوة تحمل وصبر بعض المراجعات من النساء لعيادته الخاصة، فبالرغم من أن أعمارهن في بداية العقد الخامس تبين له بعد الفحوصات السريرية والنتائج المخبرية أن لديهن ما يغطي ويزيد عن نصف المنهاج للعدد الوفير من كتب دراسته بالعلوم الطبية.
فمن صداع نصفي على أحد جانبي الرأس وإرتفاع أو إنخفاض للضغط ومؤشرات لداء السكري وأعراض للنقرص ونقص حاد لفيتامين د وهشاشة بالعظام ومشاكل بالغدد وديسك بعدد من الفقرات وألم أسفل الظهر وعرق النسا وآلامه حتى الجانب الخلفي من القدم، كل ذلك وغيره وهن في منتهى الهدوء والصبر ، ويسترسل ليوصف كيف تجلس كل سيدة وبرفقة زوجها تشرح وتشرح وهو يكتب كل شكواها حريصا على أن لا تخونه ذاكرته للنسيان أي عارض وحريصا أيضا أن لا تخونها ذاكرتها أيضا لذلك .
قرب انتهاء هذه الجلسة ذات المدة الطويلة يأتي التصريح الصادم والذي يكاد يخرج هذا الطبيب عن مهنيته بلوم وتأنيب الزوج ذو الضمير الغائب، وذلك بأنها لم تكن لأي من ذلك تتابع، ورغم ان مرافقها زوجها الفاضل كان دائم الحرص على متابعة وضعه الصحي الخاص أول بأول وبنفس العيادة .
إن الطبيب لا يختار مرضاه، بل هم من يختاروه، وقد يكون هناك عائق مادي للحصول على المستوى الممتاز من متابعة الوضع الصحي لأي مواطن وممكن ان يصل للمتابعة ولو حتى بالحد الأدنى من المستوى المتوفر أما أن لا يكون له أي نوع من ذلك لهو أمر غير مستوعب أو مقبول بأي حال .
وتبقى (هِيَ) لتعيدنا لذكر هذا المثلث، مثلث الشؤم، تتنقل بين زواياه الثلاث، العمل الشاق وإنكار للذات، والخضوع، تصبر وتصبر وتصبر ولا تجد من يأخذ بيدها، ولا حتى من يذرف دمعة واحدة عليها، ونسمع السيدات والآنسات الأفاضل يناضلن للحصول على حقوق المرأة وأنا لا أنتقص من جهودهن بل أحثهن على مضاعفتها أكثر وأكثر ولكن أضع بأول السطر وقبل كل شئ المطالبة بحصول المرأة على حقها بالعلاج ومتابعة كامل أحوالها الصحية وبكل يسر .
ليست المساواة بين الرجل والمرأة عادلة في بعض الحالات، ومنها المساواة بنفس العمر في حق الحصول على بطاقة التأمين الصحي بالقطاع العام بعد بلوغ سن الستين، وهذا أمر غير منصف لما آلت إليه أحوال النساء في مجتمعنا وبغض النظر الآن عن الأسباب التي أدت لذلك والواجب أيضا متابعتها وعلاجها ، فأنا الآن فقط اذكر واقع الحال، والذي يفرض علينا وبأسرع وقت المطالبة بتخفيض أحقية المرأة للحصول على بطاقة التأمين الصحي بفارق خمس سنوات عن الرجل أي تماما بعد بلوغ الخامسة والخمسين .
وحتى لو تغير سن الحق للحصول على بطاقة التأمين الصحي مستقبلا ليغطي شريحة عُمرية أقل حسب ما نأمل فيجب أن يبقى دائما بفارق الخمس سنوات الأقل للمرأة، ربما هذا القرار سيشفع لنا قليلا عن تقصيرنا بحق نصف المجتمع من الأمهات والأخوات الذي لا هم لهن إلا خدمة أسرهن وتأمين وجبات الطعام لهم بأطيب حال وبدون ألإلتفات لأي معاناة لظروفهن الصحية .
أما طبيبنا العائد والذي كان قلبه ينبض بالشوق والحنين لوطنه ولديه كل الرغبة كأي أب أن يزوج كريماته الأربع فندعوا الله أن يُيسر لهن من الأزواج من يصونهن ويكرموهن ليبقين بإذن الله بأفضل حال وهن بعيدون كل البعد عن زوايا ذلك المثلث الذي ذكرناه ولديهن كل الوعي والإدراك لمتابعة أحوالهن الصحية أول بأول .