إنتظر الأهالي والطلبة الخميس الماضي ليتنفسوا الصعداء… وانتظر معهم الوطن ووزارة التربية وكل المهتمين، ولكن ما حدث العكس، فما زال الجميع مسكون بما حدث، بإنتظار النتائج، وبقي الأمر حديث الناس وأرقهم وخوفهم على أبنائهم، لأن التوجيهي هو العلامة الفارقة التي تحدد مستقبل ابنائنا الطلبة، وبالطبع تُشكر جهود وزارة التربية وجميع الكوادر الوطنية التي تدير الإمتحان بغض النظر عن ما حصل، ولكن نتساءل لماذا حصل ويحصل كل هذا الضجيج..؟ ومن المسؤول..؟ وهل كانت إدارة التوجيهي بالمستوى؟ وهل كان طلبتنا بالمستوى..؟ اسئلة تطرح ونقاشات هنا وهناك، وأعتقد أنه من الواجب على وزارة التربية أو الحكومة تشكيل لجنة محايده، تكون مهمتها دراسة كل الإرهاصات التي حصلت وتحديد المسؤوليات ومحاسبة من قصر أو تعمد إثارة البلبلة، ومن ثم وضع الحلول المناسبة لنتخلص من كل السلبيات التي رافقت الإمتحان، سواء هذه السنة أو ما قبلها، بهدف تجويد الإمتحان وتخفيف حضوره الثقيل وليس إلغاءه، وإن تم إقتراح الغاءه أو هيكلته فيجب وضع البدائل المناسبة وهنا لا بد من مناقشة الحيثيات ومنها:
1- بعيدا عن نظرية المؤامرة، وقد طرح أحد النواب وغيره ..فكرة التأثير على الإمتحان وإثارة زوبعة إعلامية لمصلحة متنفذين يمتلكوا تجارة التوجيهي في إحدى البلدان الصديقة، وهذا يذكرني بالجامعات الخاصة في سوريا قبل سنوات لمتنفذين وإثارة بعض الأمور لتوجيه الطلبة نحو جامعاتهم في سوريا، وهنا يجب وضع حد لذلك.
2- يجب إبعاد التعليم والنظام التعليمي عن تجارة المنصات وشركات التأليف والمحتوى التعليمي والكتب المدرسية، والعطاءات التي تثير الريبة والشك، فكوادر الوزارة والخبراء من جامعاتنا كانوا وما زالوا ناجحين ومتميزين في تأليف الكتب المدرسية منذ البدايات، إلى أن برزت ظاهرة العطاءات والشركات وسماسرتها والتنفيعات، وتغليبها على دور الوزارة التقليدي ليتم تحييدهم..! وقد يكون وراء الأكمة ما ورائها..!
3- واضح أن هنالك خلل في اسئلة التوجيهي هذه السنة وبالذات مواد الكيمياء والفيزياء والرياضيات بشقيه، من حيث درجة الصعوبة وعدم كفاية الوقت، وسابقة لم تحصل من قبل أن يتم تمديد الوقت أثناء فترة الإمتحان سواء قبل تأديته أو أثناء أدائه، هذا يعني ببساطة أن من وضع الأسئلة لم يراعي الزمن أو أنه تعمد ذلك..!، في ظل ما يشاع من توجه مبطن للوزارة لتخفيض المعدلات لتجنب مهزلة المعدلات المرتفعة والعلامات العالية العام الماضي..! وهنا مستغرب أن يحصل هذا، فالأصل أن واضعي الأسئلة خبراء لا تفوتهم هذه الامور، إلا إذا كان هنالك توجيه أو توجه كما أسلفت.
4- الإمتحانات العامة لها مواصفاتها ويجب أن تختلف عن الإمتحانات التحصيلية التفصيلية المرحلية، ويجب أن تركز على نتاجات التعلم لدى الطالب، لا الحفظ أو ما بين السطور، ومعروف أن هنالك دائما معالجات إحصائية لنتائج الإمتحانات العامة، لمعالجة سوية المنحنى الطبيعي لنتائج الطلبة أو معالجة الحالات الشاذة لنسب الرسوب غالباً إذا انخفضت عن المعدل العام المقبول للنجاح لكافة المتقدمين في بعض المواد، وطبعا هذا سري ولا يعلن لتجنب اللغط أو الإنتقاد، ولكن الوزارة إضطرت لإعلانه هذه المرة لامتصاص احتجاجات الطلبة والأهالي ، حيث تم رفع العلامات بطريقة رياضية بعد أن تبين تدني مستوى العلامات لإيصالها للمعدلات السابقة، وهذا اعتراف بالخطأ.
5- وضع الطلبه وسويتهم التعليمية هذه السنة ليست كمن سبقهم، فاتهم الوجاهي، ولم يستفيدوا من المنصات إلا بالحد الأدنى، ولم يستفيدوا من المراكز ، أما التعليم الخصوصي فكان لفئة قليلة لعدم قدرة الأهالي على كلفته العالية ضمن وضع إقتصادي متردي إضافة لتأثيرات الكورونا على جميع القطاعات، لنعترف بذلك، باختلاف وتوفر التسهيلات لبعض الطلبة وإنعدامها للغالبية، وهنا تغدو المعادلة معقدة للموائمة بين جودة إمتحان التوجيهي المستهدفة ومستوى الطلبة..! ولكن وجب الأخذ بها من وزارة التربية وواضعي الاسئلة؛ وهذا ما لم يحصل في المواد موضوع الإحتجاج.
6- تقدم للإمتحان أكثر من مئتي ألف طالب، وفي ظل النسب السابقة للنجاح سيكون عدد الناجحين بشكل عام ولكل الفروع حول ال 50% وهنا نتحدث عن مئة ألف ناجح في حين عدد المقاعد الجامعية المتاحة على القبول الموحد لن يتعدى نصفهم، ويجب توجيه الطلبة نحو التعليم التقني وتوسيع قاعدته ليستوعب العدد المستهدف في الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي أعتقد وأعرف أنها على الرف مثل سابقاتها..! وربما يمكن تطمين الأهالي بأن فرصة الطالب قائمة في الحصول على المقعد الجامعي الذي يريد بالتنافس بغض النظر عن ارتفاع المعدل أو إنخفاضه( طبعا ضمن الحد الأدنى المقرر لدراسة الطب والهندسة وغيرها)، وكمثال؛ سيحصل أعلى ثلاثة ألآف طالب على مقعد الطب حتى لو كانت معدلاتهم بين 95% إلى 88% مثلاً.. أي وضع الطالب مرتبط برتبته بين زملائه، مع ضمان عدم وجود غش أو تسريب الأسئلة وحصول البعض على علامات كاملة او قريبة منها وهنا يختل ميزان العدالة بين الطالب المتفوق والطالب المقصر.
6- شكاوي الطلبة بالغالب من المتفوقين وأهاليهم أصحاب مصطلح ( مفلل) أي يجب أن يحصل على العلامة الكاملة أو 99% فما فوق لتأمين مقعد الطب، ولهم الحق في القلق في ضوء تجربة السنة الماضية وعدم حصول أصحاب معدلات فوق ال 98% وكسور على مقعد الطب، إضافة لتفوق الطلبة وعدم تقبلهم للفشل أو تدني المعدل، نتيجة تصعيب الأسئلة أو عدم كفاية الزمن أو أي سياسة لتقنين العلامات.
7- في ضوء كل هذا يجب كما أسلفت تشكيل لجنة محايدة تحدد أسباب ما حصل، وتتبين إذا كان في الأمر ثمة توجه مقصود لإحداث دربكة في الإمتحان سواء من داخل الوزارة أو خارجها، فظاهر الأمر يخفي ما لا نعرفه، ويقول قائل إن هنالك من هم ضد توجه دمج وزارتي التربية والتعليم العالي، ويقول آخر إن هنالك قوى تتعمد إثارة البلبلة حول التوجيهي من أجل الغائه والتوجه نحو إمتحانات قبول جامعي تديرها شركات لمتنفذين، وقد طرح مثل هذا في عهد وزير تعليم عالي سابق..!.
8- في ظل ما سبق من إرهاصات وتقولات وفي ظل ما حصل في امتحان التوجيهي هذه السنة، يجب التفكير بالتخفيف من أثر هذا الزائر الثقيل والذي أصبح كابوسا يشغل ويؤرق الأهالي والطلبه والحكومة والجميع، وأن يتم التفكير جديا بحلول تحافظ على التوجيهي كآخر حصون التعليم الراسخة في بلدنا والذ وضع على المحك في السنوات الماضية، وبنفس الوقت تجعل منه أمراً عادياً وطبيعياً، يخلو من كل هذه الإرهاصات والقلق، دون تحويله لهدف تجاري لضعاف النفوس والفاسدين الذين يهمهم فقط جمع المال ولو على حساب الأجيال وخراب البلد… حمى الله الأردن.