أعتقد أننا من أكثر الشعوب التي تمارس إضاعة الفرص, وآخر الفرصة التي نضيعها مناسبة دخول دولتنا مئويتها الثانية, فقد أضعنا المناسبة حتى الآن في إحتفالات شكلية تتغنى بأمجاد الماضي وإنجازاته, ولم نقم بأي جهد للتخطيط لمستقبل ووطننا بمئويته الثانية، بل أننا لم نقم حتى الآن بإعادة قراءة تاريخنا الوطني، قراءة متأنية واعية، نتعرف من خلالها على عوامل القوة والنجاح التي مكنت دولتنا من الاستمرار قوية راسخة متماسكة آمنة مستقرة وسط منطقة مضطربة قلقة فنعظم هذه العوامل, كذلك نتعرف على محطات الفشل والإخفاق ونقاط الضعف التي واجهتنا وأعترت مسيرتنا الوطنية فنعالجها لتتجنبها الأجيال القادمة من الأردنيين في المئوية الثانية.
إن عظمة المناسبات وأهميتها الحقيقية تكمن في أنها تعطي لأصحابها فرصة للمرجعة والتقييم والتقويم, وهو بالضبط ما توفره لنا مناسبة المئوية الأولى للدولة الأردنية الحديثة، التي آن أوآن التذكير بأنها دولة قائمة على أسس روحية وفكرية، وأنها دولة دور ورسالة, ذلك أن الدولة الأردنية الحديثة قامت كوريث لثورة العرب الكبرى، بكل المكنونات الروحية والتاريخية التي حفزت العرب وحرضتهم للثورة على حكم الإتحاد والترقي الذي سيطر على الدولة العثمانية، وسعي الاتحاديين لطمس الهوية العربية ومكوناتها، وأول ذلك اللغة العربية ووحدة والجغرافيا العرببة، وهي الوحدة التي تمسك بها قائد الثورة العربية كاملة غير منقوصة، مضحياً بعرشه على أن يضحي بفلسطين كجزء من الجغرافيا العربية التي ثار العرب من أجلها بقيادته.
بفضل مكنوناتها الروحية والتاريخية تمكنت الدولة الأردنية من الصمود مئة عام، رغم كل المؤامرات التي مرت بها، لكنها تمكنت من إجتيازها والإنتصار عليها بفضل تمسك قيادتها بإرثها التاريخي، بأعتبار أن الهاشميين هم قادة ثورة العرب الكبرى التي شكلت العشائر والقبائل الأردنية إمتدادها الشعبي وخزان تزويدها بالمقاتلين، وهذه أول دوروس المراجعة والتقييم التي يجب أن نتوقف عندها لتفعيلها في حياتنا، لتعود محركاً لقوتنا الحضاربة المتطلعة إلى المستقبل.
ومثلما هي محطة للمراجعة والتقييم فإن المناسبات ومنها مئوية الدولة الأردنية هي أيضاً محطة للتخطيط من أجل التطوير والتحديث، على أن يجري هذا التطوير والتحديث في إطار الثوابت والعصبيات التي قامت عليها الدولة الاردنية, ونعتقد أننا أصبحنا بحاجة ملحة لإعادة بناء خطابنا الثقافي بأعتباره الأرضية والأساس لكل تطوير آخر, لنحافظ على هويتنا الحضارية، وهذا يستدعي التذكير بالمرجعية الفكرية للدولة الأردنية، لأن هذه المرجعية هي مقياس الخطاء والصواب ومعيار ومقياس إنتمائنا الحضاري والفكري والجغرافي، وبدون هذه المرجعية نكون بلا شخصية وهوية ونكون هملاً بين الناس، وهو مالا يرضاه الأردنيون لأنفسهم.