نيروز الإخبارية : ويلحظ استاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين، أن إساءة استخدام وسائل الاتصال والتواصل بين الأفراد، واحدة من المؤشرات العميقة لوجود فجوة حضارية بين المنجز التكنولوجي بالغ الاهمية، ومن لا يوظفه للصالحين العام والخاص في آن معا,
وأشار إلى أن الخصوصية الملتحفة بعقد أخلاقي ضمني يرتكز على الثقة المتبادلة، والصدق والالتزام بين المتحدث والمستمع، هي من أهم دعائم التواصل الانساني الراقي، الذي يقوّي العلاقات المثمرة بين الناس، ويجعلها قابلة للاستدامة بشكل أوثق. ويرى أن من المعيب قيام بعضهم بالاستغلال السيئ للعلاقات الانسانية، عبر تسجيل حديث أحدهم دون علمه، سواء بالصوت أو الصورة، وذلك لتحقيق هدفه الشخصي المغرض، سيما إذا أعاد إرسال ذلك التسجيل لأطراف أخرى، بقصد الاساءة الشخصية أو المهنية أو العلمية لمن تمت مغافلته، أو حتى على سبيل الاستدراج لحديث لم يكن يرغب الشخص بإعلانه لأحد، الأمر الذي من شأنه إثارة الفتنة، أو المشكلات الاجتماعية بين أطراف المعادلة التي تزج بهذا المعترك.
ويُقدّر محادين أن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة، من شأنها إشاعة عدم الثقة بين الناس، عبر تحويل التكنولوجيا من وسيلة اتصال راق، الى أخرى تبث البغضاء بدافع انتهازي آني، وربما، في محاولة للصعود على حساب الشخص الذي وثق بمن حدثه، بهدف الايقاع به، والنيل من مكانته، أو سمعته، أو صدقيته، لغايات في نفس المرتكب. ويعتبر أن قيام بعضهم بهذه السلوكيات التي يصفها بـ "اللاأخلاقية"، يشي بتراجع نسبي للثقة العامة بين بعض الأفراد، والتي من المفترض أنها العنوان الأبرز للعلاقات الإنسانية في مجتمع متكاتف ومتعاضد "تربينا فيه على أن السر و الخصوصية من الامور المصونة".
ويذهب محادين إلى أن المشكلة في مثل هذه التسجيلات التي يقصد منها التسريب للإيقاع والإضرار بالآخرين، أنها قد تكون مجتزأة، يراد من خلالها إيصال رسالة بعينها، فقد ينطوي التسجيل على مدح وذم، فيما يقوم الشخص، بقص التسجيل، واقتصاره على الذم، بهدف توظيفه سلبا.
وينوه إلى أن الخطورة في هذه الحالة تكمن بمن يصدق التسجيل، دون مراجعة صاحب الصوت أو الصورة، ليتحقق من سياق ما حدث، ومن ثم يقرر، خاصة اذا كان في موقع المسؤولية، فقد يقوم بالاستغناء عن خدمات هذا الشخص، وبالتالي يتحقق هدف من "رتب لكل هذا السيناريو"، بإلحاق الضرر النفسي والمعنوي والاجتماعي والاقتصادي له.
وفي الإطار ذاته، ينصح محادين بضرورة توخي الحيطة والحذر في تناول أي حديث بين مجموعات، أو بين شخصين، والتحدث بدقة وحرص ودراية ومعرفة، دون التطرق لحياة الأشخاص أو سيرهم أو الحط من قدرهم، مشددا على أهمية البعد عن "النميمة"، وعدم التكلم أيضا أمام من لا نعرفهم، أو لا نثق بهم، أو نعرف تماما أنهم يكيدون لنا، أو يحاولون الايقاع بنا. وقال، "يجب أن لا يحتمل الحديث أي تأويل، وأن لا نعطي للمقابل فرصة أن يستغل كلامنا، وعلينا "الكف عن عادة قول كل ما في جعبتنا أمام الناس، والتنبه لعدم افتراض حسن النية بالآخرين خاصة في الأماكن العامة، وأن لا نقدم اسرارنا على طبق من ذهب لمن يبحث عن دور على حسابنا، خاصة في الوظيفة والشراكة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية".
من جانبه، يُشخّص الاستشاري في الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ، حالة قيام بعضهم بهذا السلوك، بقوله: إن توثيق وتسجيل الكلام للآخرين مبرر، اذا كان في سياق يخدم مهنة معينة، وبرضا الطرفين، أما إذا كان للترصد والإساءة فهذا مرفوض، لما له من آثار سلبية تتسبب بخرق وإضعاف روابط الصداقة، وقد تكرس مشاعر الكراهية والسلبية بين الناس.
ويقدّر أن هذا السلوك هو فردي لشخص قد يفتقد لمشاعر الثقة والأمان لكل ما هو حوله، أو أن لديه دوافع عدائية تجاه الآخرين لإرضاء أزماته ونزواته وعقد النقص المركبة لديه.
وتؤكد دائرة الافتاء العام عبر موقعها الالكتروني أنه "قد يُساء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تصير سبباً في الفساد، والإشاعات المغرضة، واغتيال الشخصيات، والطعن في الأعراض، والوقوع في الآثام"، لذلك تحرم: "إشاعة الفحش والكذب على هذه المواقع"، مبينة أن: " نشر الإشاعات الكاذبة من جملة الكذب، وهو محرم شرعاً، بل كبيرة من الكبائر".
وتشير الدائرة إلى أن على المسلم - أياً كان موقعه - أن يتثبت ويتبين، فالمسلم كيّس فطن، وقد روى الإمام أبو داوود في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".